Page 38 - merit 46 oct 2022
P. 38
العـدد 46 36
أكتوبر ٢٠٢2
بالظواهر السلوكية المشبوهة التي تمخضت عن تغلب على الممثلين ،في الرواية ،هويتان :أولاهما
نشوء ظاهرة الإرهاب في أحضان المدينة العريقة، هوية المثقف ،وثانيتهما هوية الهامشي ،وهذا
تلك التي عرفها التاريخ مسالمة متصالحة وناهضة،
ثم استحالت ،في حقبة زمنية معينة ،بيئ ًة حاضنة يستدعي السؤال عن طبيعة الناشطين في أنحاء
للإرهاب ،مساهم ًة في إنتاجه ،وفي تصديره .على المجتمع الطرابلسي ،هل هم المثقفون المحبطون
أن مثل هذا التوظيف لم ينل ،في نظرنا ،من فنية
والهامشيون فقط؟ وماذا عن سائر الفئات
العمل الأدبي الروائي ،بل إن هذا التوظيف كان والشرائح البشرية الأخرى التي تم تغييبها؟ أما
بمثابة رقي في التقنية السردية ،وهو يبحث عن المثقف /الفقير في هذه الرواية فمصيره الإدمان =
خصوصية قول ،لخصوصية مرجع .إنه ابتكا ُر تغييب العقل ،والتحول إلى إنسان أخرق لا حول
البدائل الفنية التي تغيب العامل الأساسي بهدف
قوله ،كأنها بذلك تحول غيابه سؤا ًل يدعونا ،إلى ولا طول له ،وبذلك تلغي الرواية بقسوة ،دور
شريحة من المثقفين ،الأمرالذي يعكس بع ًدا واقعيًّا
طرحه على المرجعي نفسه. واض ًحا في مجتمعنا ،بينما يبرز الهامشي وينشط.
لقد شكلت ،ظاهرة الإرهاب أو ظاهرة التطرف كذلك تغيب الرواية صورة المرأة المعاصرة الفاعلة
الديني ،حالة نافرة ،في المجتمع العربي على وجه
العموم ،وفي المجتمع اللبناني على وجه الخصوص، والمتعلمة ،على الرغم من حداثة تاريخ كتابتها
في الآونة الأخيرة من تاريخنا المعاصر ،وكانت وصدورها ،فلا تبرز في المدينة ،من خلالها ،سوى
مدينة طرابلس إحدى المدن /المنبع أو المغذي لهذه صورة المرأة الخادمة (أم محمود -إنتصار) وفيما
الحالة الطارئة ،وقد حاول الدويهي ،عبر قصه، بعد الحفيدة ،والمرأة /الأم المحايدة (أم عبد الكريم-
التصدي لهذه الظاهرة ،ملتز ًما بقضية وطنية/ خالته وأخته) ،وهذا تحجيم واضح ،وغير واقعي
قومية تطال حياة الإنسان وكرامته ،وتهدد أمنه
واستقراره ،أ ًّيا تكن هويته ومهما تعدد انتماؤه. للحضور الأنثوي في المدينة.
وشكلت شخصية إسماعيل ،تحدي ًدا ،عام ًل مه ًّما يغلب الثبات على العوامل والممثلين .والتحول
للكشف عن أيديولوجيا تلك الجماعات ،وطريقة الذي يحدث محدود وغير نوعي ،إنه تحول ضمن
تفكيرها وسلوكها من خلال المسار الذي التزمه. الوحدة ،فالهامشي يبقى هامشيًّا ،والفقير يرتع
ودل بناء المكان في الرواية على إشكالية خاصة به، في فقره ،والخادم يستمرئ الخدمة ،ما يعني أن
ترتبط بجذور تاريخية قائمة على العيش المشترك، الرواية تقليدية ،تعرف بعض مظاهر التجديد ،وهي
وعلى احترام الآخر وتقديس حريته ،وقد عبر تروي حكاية أناس يحكمهم قدر مرسوم ،وإذا
المكان عن رؤية متدرجة من الذاتي إلى الاجتماعي كان الروائي قد فتح نافذة أمام إحدى شخصياته
الرئيسية :إسماعيل التائب ،إذ سهل له الفرار ،فهو
الذي ينصهر فيه كل من المستوى النفسي/
الاجتماعي في تفسير الظواهر .حيث استطاع فرا ٌر إلى المجهول ليس إلا.
الروائي ،من خلال رمزية الأمكنة ،تشكيل فضاء
مكاني رحب حاضن لعملية التحول التي شملت خاتمة البحث
الحجر والإنسان ،محاو ًل ،عبر إعادة استقراء
تاريخ المدينة ،صياغة ما يشبه الذاكرة الجماعية تمثل رواية «حي الأميركان» علاقة الاجتماعي
لهذه المدينة ،واستنهاضها ،عبر فعل الاسترجاع، الطرابلسي المسحوق بالسلطوي السياسي المسؤول
لمواقفها التاريخية المشهودة ،الإرهاب المحدث ،من
منظوره ،حركة مرتبطة بأسباب بنيوية داخلية عنه ،فهي رواية واقعية تستبطن ظواهر الواقع،
حديثة تقاطعت معها أسباب خارجية دخيلة ،وفي وتحاول إعادة استقراء أسبابها ،لتدرك كيفية
ذلك دعوة مبطنة لمناوأة الإرهاب الحاضر القادم
تشكلها ،ومدعاة التحول فيها .وهي ،إذ تفعل ذلك،
تصبو إلى النفاذ إلى العامل الأساس الذي تسبب
بتخلخل هذا الواقع ،وأدى إلى فقدانه توازنه.
تنسج الرواية لقارئها عالمًا روائيًّا ،بتوظيف فني،
توخى نق َد الواقع الاجتماعي ،وتقدي َم معرفة،