Page 43 - merit 46 oct 2022
P. 43

‫‪41‬‬       ‫إبداع ومبدعون‬

         ‫رؤى نقدية‬

‫سيد قطب‬  ‫أبو الأعلى المودودي‬                           ‫عمو ًما في مصر‪ ،‬فلن أرتجي‪ ،‬ولن أنتظر قراءة‬
                                                     ‫لرواية «أيام الشمس المشرقة»‪ ،‬تقارب مضمونها‬
                     ‫الازدراء‪ ،‬أو حتى الشماتة‪.‬‬      ‫الإنساني المنحاز للمرأة‪ ،‬باعتبارها الشريحة التي‬
‫ومن المهم القول إن الكاتبة زاوجت بين الفصحي‬
‫«لغة الراوي» والعامية «لغة الشخوص»‪ ،‬ورسمت‬             ‫تعاني الظلم والقهر التاريخي‪ ،‬منذ أن أصبحت‬
                                                  ‫«عمالة رخيصة» ومستود ًعا للمتعة والإنجاب‪ ،‬ومنذ‬
   ‫الشخوص رس ًما دقي ًقا‪ ،‬بكافة أبعادها النفسية‬
 ‫والجسمية‪ ،‬و»النفس‪ -‬اجتماعية»‪ ،‬أي أن المتلقي‬       ‫اعتبارها «بيت الخطيئة» و»وعاء النجاسة»‪ ،‬في كل‬
 ‫أو القارىء يستطيع أن يري الشخصية ويعرف‬                ‫الثقافات القديمة وفي كل المنظومات التي تدعي‬
 ‫كوامنها وما تحتويه صدورها‪ ،‬ويعرف تفاصيل‬                           ‫التحرر واحترام حقوق الإنسان‪.‬‬

     ‫علاقتها بالمجتمع‪ ،‬وهناك شخصيات رئيسة‬          ‫الرواية تقوم على فكرة «الثنائية الفاضحة»‪ ،‬بمعنى‬
‫قامت عليها رواية «أيام الشمس المشرقة»‪ ،‬وهناك‬        ‫أن الأزمنة التي تعتمدها الكاتبة‪ ،‬هي أزمنة قديمة‬

  ‫شخصيات متولدة عنها‪ ،‬أو ثانوية‪ ،‬لكن الهيمنة‬          ‫«التاريخ الشخصي والاجتماعي للشخصيات»‪،‬‬
     ‫هنا في هذا العالم للنساء‪ ،‬وقضية قهر المرأة‬   ‫وأزمنة راهنة‪ ،‬وترتب على هذه الثنائية –الفاضحة‪-‬‬

   ‫واضطهادها هي الجوهر والرسالة التي يشعر‬            ‫تعرية الواقع القديم الذي تشكلت فيه الشخصية‬
  ‫القارىء بأنها القضية المركزية للسرد الروائي‪.‬‬         ‫المروي عنها‪ ،‬وتعرية الراهن‪ ،‬وهو الواقع الذي‬
                                                       ‫كان حل ًما للشخصيات المروي عنها‪ ،‬ومن أجله‬
    ‫نعم الخباز‪ ..‬مبدعة القسوة‬
                                                   ‫تحملت كل أنواع المهانة‪ ،‬وقبلت الخضوع للقوانين‬
     ‫من المفيد للقارئ أن يعرف أن شخصية «نعم‬              ‫الصارمة في المنفى أو المجتمع الجديد‪ ،‬مقابل‬
   ‫الخباز»‪ ،‬المولودة في بيئة فقيرة محرومة‪ ،‬داخل‬
   ‫حي في مدينة مصرية صغيرة‪ ،‬لم تعرف معني‬             ‫الاحتفاظ بحق الحياة ومتطلباته من طعام ودواء‬
‫«النعمة» ولا التنعم طوال حياتها الممتدة‪ ،‬وهذه هي‬       ‫وكساء‪ ،‬وهذه الثنائية التي التزمت بها الكاتبة‪،‬‬
   ‫أولى المفارقات التي يضعنا اسمها أمامها‪ ،‬لتظل‬
 ‫المفارقة هي علامتها على امتداد صفحات الرواية‪،‬‬      ‫فتحت لها الباب لاستخدام تقنية كتابية مشهورة‬
                                                     ‫هي تقنية الراوي العليم أو السارد العليم‪ ،‬وميزة‬

                                                          ‫هذه التقنية‪ ،‬منح الكاتب عدة فرص أو عدة‬
                                                   ‫مكاسب‪ ،‬من بينها أنه لن يكون مضط ًّرا للتورط في‬
                                                   ‫أي شبهة مطابقة بين شخصه‪ ،‬وشخصية السارد‬

                                                        ‫الذي يصف ويرسم ظواهر وأعماق شخوص‬
                                                  ‫العمل‪ ،‬ويكون من حقه الولوج إلى نفوس الشخوص‬

                                                    ‫التي يروي عنها‪ ،‬فيصف ما يدور في عقولها وما‬
                                                      ‫أصاب قلوبها من فرح وحزن‪ ،‬وما انطوت عليه‬
                                                    ‫النفوس والسرائر‪ ،‬وهذا السارد العليم أو الراوي‬

                                                        ‫العليم يكون بمستطاعه قول كل ما يعرفه عن‬
                                                      ‫شخوصه‪ ،‬لكن الكاتبة ميرال الطحاوي أضافت‬
                                                    ‫إلى الراوي العليم مساحات ديمقراطية للشخوص‬
                                                   ‫أو الشخصيات المروي عنها‪ ،‬فتكلمت كل شخصية‬

                                                        ‫ونطقت بجمل كشفت للقارئ عن نظرات هذه‬
                                                   ‫الشخصيات للعالم‪ ،‬أي أن هناك نو ًعا من «التوازن‬
                                                   ‫السردي» استخدمته الكاتبه‪ ،‬لتحقق للقارئ فرصة‬
                                                   ‫التعارف الكامل مع الشخصيات‪ ،‬وبالتالي يستطيع‬

                                                        ‫أن يحدد موقفه منها‪ ،‬ويقرر ما إذا كانت هذه‬
                                                      ‫الشخصية أو تلك‪ ،‬تستحق التعاطف أو تستحق‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48