Page 36 - merit 46 oct 2022
P. 36
العـدد 46 34
أكتوبر ٢٠٢2
بالنفس ،وبالشجاعة الطارئة ،وهو يواجه رجال هذا وقد عرفت الشخصيات الرئيسية تحولات
المخابرات الذين كانوا مصدر رعبه ساب ًقا ،فيقف متفاوتة ،أبرزها تحول شخصية إسماعيل
صار ًخا في وجوههم أنه والد إسماعيل الشهيد: «الإرهابي» الذي انتمى إلى القاعدة ،إذ مرت
«إسماعيل الذي مات عنه في العراق»(« ،)36كان بتحولين .بداية عندما غادر طفولته وبراءته
جنديان يحاولان عبثًا زحزحة بلال من المدخل. وأعماله الصبيانية ،وصار «عاق ًل» وملتز ًما دينيًّا
قوة غريبة استوطنت جسمه النحيل ،تكاثروا عليه
بعد أن ناداهم الضابط ،اقتلعوه قطعة واحدة.. يقيم الصلاة في بيته وفي المسجد ،ويأمر أمه
ثم صار مستسل ًما إلا من رأسه المرفوع ونظراته بالالتزام ،ثم يتطوع لتفجير نفسه في من عدهم
السوداء تشع حماسة يدور بها في كل اتجاه كي
لا يفوت من أبناء الحي ثأر بلال محسن من ماض كفا ًرا ،وهو تحول لم يمكنه من بلوغ العامل
بقي يجرجره ثقي ًل حتى الأمس»( .)37إلا أن بلال الموضوع لكونه تحو ًل ه ًّشا ،لم تنقلب معه طريقة
يعاود وحدته وثرثرته الفارغة في نهاية الرواية،
وقد صار يخلط بين بطولته الموهومة ،وبطولة ابنه تفكيره ،بدليل التراجع السريع عن فعل التفجير
التي لم تتحقق فعليًّا ،بطولة زائفة ،وبذلك يظهر المكلف به ،عند أول معوق ،والتحول الثاني تمثل
في عودته عن التطرف ،ورغبته في الحياة الطبيعية
التحول ه ًّشا آنيًا ،والبطولات مفرغة.
أما التحول الخطير الذي حدث في الرواية فهو مجد ًدا ،وشعوره بحبه لأمه وأسرته ومدينته
تحول خال إسماعيل ،أستاذ الفيزياء ،الذي استحال كاش ًفا بذلك عن« :العمق الإنساني الفطري،
إنسا ًنا مدمنًا لا يقوى على الوقوف على رجليه ،وقد
انسحب من عمله ،وانكفأ على ذاته في منزله وحي ًدا، وحس الأخوة والمحبة اللذين يتغلبان على كل فكر
وقد كان من الممكن أن تمثل قصته -لو طورها تدميري»(.)34
الكاتب -قصة مقابلة لقصة عبد الكريم ،إلا أن
المؤلف أبقاها هامشية تضيء واقع بعض المثقفين أما شخصية أمه إنتصار فقد طرأت عليها تحولات
طفيف ٌة تمثلت ،في حبها لزوجها ،ثم ندمها على هذا
ليس إ ًل. الحب .بعد ذلك تحولها إلى الإعجاب الصامت بعبد
تشير دلالات هذه التحولات الفردية إلى تحول الكريم ،ورغبتها المكبوتة فيه .وهي التزمت بوض ِع
شخصية المدينة بأسرها :المدينة التي كانت مسالمة الحجاب بناء لأوامر ابنها إسماعيل ،هذا التحول لم
آمنة ،متصالحة مع ذاتها ،ومع الآخر المقيم فيها يغير العامل الموضوع ،وهو اهتمامها بعبد الكريم
والوافد إليها ،تصدر الحياة من خلال منتجات
المهن الحرفية التي اشتهرت في أنحائها ،تحترم والرغبة في مجاورته دائ ًما ،ثم سارعت إلى خلع
معتقدات الآخر وعباداته ،تلك المدينة تحولت إلى حجابها ،وأرجحة مؤخرتها أمام المشنوق عم ًدا
مكان خامل ،تموت الحركة في أنحائه ،يتحول بعد معرفتها أن ابنها لا يزال حيًّا« .ابتسمت له
السياسي فيه إلى مجرد وصولي ،بعد أن كان (المشنوق) للمرة الأولى في تاريخ جيرتهما ،غير
إنسا ًنا ُيعنى بأمور أبناء مجتمعه ،ويتحول فيه عابئة بنظراته التي طاردت ردفيها وربما تعمدت
الدين من مصدر للتسامح والمحبة والتقويم ،إلى تحريكهما وهي تخرج من الباب لتنزل الأدراج
شحن حقود يدفع إلى تصفية الآخر المختلف ،وإلى برشاقة وتعبر الشوارع»( .)35سلوكها هذا يؤكد
قتله ،بغية فرض شروط جديدة ،لمعادلة حياة
جديدة ،يريد إرساءها في فضاء المكان .بذلك يمكن سطحية التحول الذي لحق بشخصيتها.
الاستدلال على إخفاق في مسيرة حياة المدينة ،مرد ُه كذلك عرفت شخصية الأب بلال ،بتحولين
انسداد الدروب أمام أبناء البيئتين الرئيسيتين رئيسين :التحول الأول الذي لحق بشخصيته
بعد حادثة باب الحديد ،فبعد أن كان إنسا ًنا لا
فيها. مباليًا قبل الحادثة ،تحول بعد وقوعها إلى اليأس
والانطواء والندم وعدم القدرة على الاندماج
المجتمعي .أما التحول الثاني فقد وقع بعد
حادثة الاستشهاد الموهوم لابنه ،التي ولدت في
ذاته إحسا ًسا بالاعتزاز والفخر ،فتحقق العامل
الموضوع بالنسبة له ،وقد تمثل باستعادة الثقة