Page 27 - merit 46 oct 2022
P. 27
25 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
التي تواجه المتلقي لتكون
أحيا ًنا مفتا ًحا دلاليًّا
يستطيع اختزال النص.
تضعنا قراءة عنوان
رواية «حي الأميركان»،
أمام إشكالية تحول المكان
الذي سعى الدويهي
إلى اختراقه ،من خلال
مسروده .كل ما يحدث ،في
الرواية ،منطل ٌق من الحي،
ومرتد إليه ،لذا يبدو تخير
الدويهي له ،بمثابة دعوة
يوجهها إلى قارئه يحثه
بواسطتها على الدخول
إلى عالمه السردي ،منطل ًقا
جبور الدويهي فرديناند دو سوسير يمنى العيد من هذه العتبة النصية،
وصو ًل إلى الفضاء الذي
لسان الراوي العليم الذي وظفه« :حي الأميركان ينبني مع تقدم السرد.
نسبة إلى المدرسة الإنجيلية المهجورة التي تمركز، تبرز استراتيجية الروائي ،في توظيفه عنوا ًنا بسي ًطا
في مبانيها المتهالكة ،طوال سنوات ،فر ٌع لما ُيسمى ودا ًّل في آن .فمفردة الحي يراد بها ،في الاستعمال
جهاز المخابرات الجوية المرهوبة الجانب»( .)11يحل
الترهيب -وإن كان من قبل الدولة -محل العلم، اللغوي السائد ،ذلك المكان الحميم من المدينة أو
و ُتظهر مفردة «مهجورة» تردي حال الحي ،وغياب
من القرية ،الذي تحيا فيه جماعة بشرية متآلفة في
حياة كانتز زاهرة فيه محتفي ًة بالعلم ،ماضيًا، عاداتها ،وفي نمط عيشها ،مصطبغ ًة بصبغة محلية
وتركها قاصدوها حاض ًرا.
واضحة تجعلها أقرب ،إلى البساطة وإلى العفوية.
يكشف هذا المعطى التركيبي للعنوان مسعى
الروائي ،إلى توصيف التضاد الحاصل ،بين ماضي إلا أن الروائي يسبغ على المفردة ،بفعل إضافة لفظة
الحي النامي الذي كا َن له ،وبين الحاضر الهش الأميركان ،بع ًدا جدي ًدا ودلالة مخالفة ،غير متطابقة
الذي انتهى إليه ،مؤش ًرا في السياق السردي ،إلى والتفسي َر الاصطلاحي الشائع ،ولا مع الواقع الذي
سيقدمه ،من خلال مسروده الفني.
التعارض بين ماضي المدينة بأسرها ،والمتمثل
بإقبال أهلها على العلم ،وبانفتاحهم وتحابهم ارتبطت مفردة الأميركان ،وترتبط في أذهاننا،
وتآلفهم ،واحترامهم طقوس بعضهم البعض ،وبين
الحاضر المنغلق المتداعي الذي انتهى إليه هؤلاء في الغالب الأعم ،بالحداثة ،بالمدرسة /الإرسالية،
سواء الفقراء منهم :أسرة إسماعيل (أنموذ ًجا) ،أو
الأثرياء /السياسي :أسرة عبد الكريم (أنموذ ًجا) بالتعليم القادم من خارج إلى مجتمعاتنا ،أكثر من
التي فقدت نفوذها السابق ،بسبب من موت الأب
المناضل ،وحلول ابن الأخ الانتهازي زعي ًما فيها. ارتباطها بالتخلف والعشوائية ،أو بالبساطة والفقر،
لذلك يستشعر القارئ نو ًعا ،من التناغم القائم بين
وما يؤكد هذا المفهوم الأولي لفظة «المدرسة»
الواردة ،في السياق« :حي الأميركان نسبة إلى
المدرسة الإنجيلية المهجورة»( .)10إ ًذا ،كان الحي
مقص ًدا لطلاب يتعلمون في ناحية من أنحائه ساب ًقا.
إلا أن دلالة العلم غادرت الحي ،وموطن العلم فيه
(المدرسة) ،فصار مهجو ًرا ،واستعيض عن الطلاب
في أنحائها ،بفر ِع المخابرات ،كما يخبر الكاتب على