Page 23 - merit 46 oct 2022
P. 23

‫‪21‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

    ‫ملورز‪ ،‬وعندما يحدث أول لقاء حميمي تعترف‬                 ‫تضحيتها‪ ،‬تكريسها حياتها لكلفورد؟ ماذا‬
     ‫بأنه ليس غلطتها أو حتى غلطة الحب أو غلطة‬          ‫تخدم‪ ،‬رغم ذلك؟ رو ًحا باردة خاوية‪ ،‬بدون أي‬
 ‫الجنس‪ ،‬وإنما الغلطة تكمن «هناك‪ ،‬في الخارج‪ ،‬في‬         ‫ارتباطات إنسانية دافئة‪ ،‬فاسدة مثل أي يهودي‬
 ‫تلك الأضواء الكهربية الشريرة‪ ،‬وفي الحشرجة‬
   ‫الشيطانية للمحركات‪ .‬هناك‪ ،‬في عالم الجشع‬                  ‫وضيع‪ ،‬في توقها للعهر مع الربة العاهرة‪،‬‬
                                                          ‫النجاح‪ .‬وحتى برود كلفورد وتأكيده المنفرد‬
       ‫الآلي وآلية ال َج ِشع‪ ،‬وال َج َشع الآلي‪ ،‬يتألق‬  ‫بالانتماء للطبقة الحاكمة لا يمنع لسانه من أن‬
      ‫بالأنوار والمعدن المتوهج الفوار ويهدر مع‬          ‫يتدلى من فمه‪ ،‬وهو يلهث خلف الربة العاهرة»‬
‫حركة المرور‪ ،‬يكمن هناك الشيء الهائل الشرير‪،‬‬
     ‫مستع ًدا لتدمير ما لا يتواءم معه‪ ،‬وبسرعة‬                                      ‫(الرواية‪ :‬ص‪.)133‬‬
  ‫سيدمر الخميلة‪ ،‬ولن ينبت الجريس بعد ذلك‪.‬‬                   ‫منذ هذه اللحظة بدأ إحساس جديد يخامرها؛‬
  ‫لا بد أن تهلك الأشياء الهشة تحت لف الحديد‬                  ‫إحساس فيه لوم وتأنيب لما هي فيه من ظلم‬
  ‫ودورانه» (الرواية‪ :‬ص‪ ،)210‬ها هي تدين المادة‬                ‫«إحساس بالظلم‪ ،‬بالخداع‪ ،‬يشتعل في أعماق‬
     ‫والصناعة والآلة‪ ،‬وبما أنها هشة كانت ضحية‬           ‫كوني»‪ ،‬وهو ما جعل الراوي العليم يتعاطف معها‬
                                                           ‫ويعلن بصوته متوح ًدا مع صوتها «الإحساس‬
                                 ‫لدوارن الحديد‪.‬‬         ‫الجسدي بالظلم شعور خطير‪ ،‬بمجرد إيقاظه‪.‬‬
   ‫مأساة كوني صنعتها المدينة الصناعية‪ ،‬وما أتت‬           ‫لا بد من مخرج‪ ،‬وإلا نهش من استيقظ فيه»‪.‬‬
 ‫به من قيم جديدة انعكست على زوجها والأصدقاء‬                 ‫الغريب أن الراوي العليم لا ُيح ِّمل كلفورد‬
‫السيئين‪ ،‬وقبل هذا عدم شعورها بالعاطفة والدفء‪،‬‬
   ‫فكما يقول لورانس في «فنتازيا الرغبة»‪« :‬حين‬                 ‫المأساة‪ ،‬وإنما يعتبره «جز ًءا من الكارثة‬
  ‫يكون على المرأة أن تنجز إشباع نضجها وهدوئها‬              ‫العارمة»‪ ،‬فهو في نظره «لا يلام‪ ..‬على ذلك‪،‬‬
                                                       ‫كانت مصيبته أكبر» (الرواية‪ :‬ص‪ ،)132‬فمشكلة‬
     ‫الغني تتح َّول بعنف للبحث عن عشيق جديد»‪.‬‬           ‫كلفورد ‪-‬في نظره‪ -‬أنه ينتمي إلى سلالة «الدفء‬
‫ويؤكد على أن المرأة «تشبع هدفها عبر المشاعر‪ ،‬على‬            ‫بالنسبة لهم ليس إلا ذو ًقا فاس ًدا‪ ،‬عليك أن‬
 ‫أن تكون مفهومة‪ ،‬لا تصل إلى أي مكان إلا إذا فهم‬         ‫تواصل بدونه‪ ،‬وتنجح مثل الآخرين» (الرواية‪:‬‬
‫العشيق رذيلة حصول المرأة على ذاتها وجنسها عن‬
‫طريق الرأس‪ .‬تصل المرأة إلى الإشباع خلال الحب‪،‬‬                                               ‫ص‪.)132‬‬
‫الحب الحسي العميق‪ ،‬والمشاركة الحساسة البارعة‪.‬‬             ‫حالة التمرد والمقت التي صارت عليها‪ ،‬أصابتها‬
                                                        ‫بمرض نفسي‪ /‬داخلي لاحظه كل من بالبيت رغم‬
   ‫لكن عليها بمجرد الوصول إلى نقطة الإشباع ألا‬          ‫إنكارها أنها دائ ًما بخير‪ ،‬وهو ما دفع أختها هيلدا‬
‫تتوقف من الإثارة‪ .‬عليها أن تأخذ على عاتقها جمال‬
‫النضج والسلام والإيمان الهادئ» (فنتازيا الرغبة‪:‬‬             ‫لأن تأتي من لندن لتستوضح الأمر‪ ،‬وتضطر‬
                                                            ‫لأخذها إلى طبيب في لندن‪ ،‬وبعد فحصها يقر‬
 ‫ص‪ .)184‬بصفة عامة المأساة ليست فردية‪ ،‬وإنما‬               ‫الطبيب الذي يتابع أخبارها وأخبار زوجها‪« :‬لا‬
    ‫مأساة عامة‪ ،‬فكما يقول الراوي‪« :‬يتزوج بعض‬                  ‫يوجد خلل عضوي‪ ..‬يجب أن تتسلي‪ ،‬يجب!‬
                                                         ‫حيويتك متدنية ج ًّدا» (الرواية‪ :‬ص‪ .)143‬اللافت‬
 ‫الناس نكاية في أنفسهم‪ ،‬لأنهم محبطون من شيء‬             ‫أنها في لندن شعرت «بأنها تحررت‪ ،‬في عالم آخر‪،‬‬
   ‫ما‪ .‬ولا غرابة في أن يفشل» (الرواية‪ :‬ص‪.)252‬‬          ‫شعرت بأنها تتنفس بشكل مختلف‪ .‬لكنها ما زالت‬
      ‫وهو ما حدث مع كوني‪ ،‬تجارب حب فاشلة‪،‬‬               ‫خائفة من كثرة خيوطها‪ ،‬ربما الخيوط الأخلاقية‪،‬‬
                                                       ‫المتشابكة مع خيوط كلفورد‪ .‬لكن يبقى أنها تتنفس‬
‫علاقات باردة‪ ،‬وكانت ثالثة الأثافي هذا الزواج الذي‬       ‫بحرية وبدأت مرحلة جديدة في حياتها» (الرواية‪:‬‬
 ‫أخمد روحها‪ ،‬وعندما رأت حارس الطرائد اندفعت‬
   ‫إليه بكل قوة دون خوف أو حذر‪ ،‬لا لشيء‪ ،‬فقط‬                                                ‫ص‪.)152‬‬
  ‫كي تعثر على روحها التي فقدتها ببرودة كلفورد‪،‬‬          ‫مع توالي هذه الأحداث ُبني جدار من البرود بينها‬
                                                         ‫وبين كلفورد‪ ،‬وفي المقابل كان ثمة دفء في كوخ‬
   ‫وقتلتها ماديته‪ ،‬ثم أنانيته عندما رفض طلبها في‬
                                         ‫الطلاق‬
   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28