Page 19 - merit 46 oct 2022
P. 19
17 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
لا يوجد سام أو منحط ،لكن في امتزاج الهدف الرواية هو النقد ال َّصريح للمجتمع ال ِّصناعي الذي
العميق يتخ َّل ك ُّل شخص عن شخصيته في نظره «ش َّل قدرة الإنسان على إقامة علاقات
حسيَّة طبيعية ،مثلما شلَّت الحرب العالمية الأولى
بقداسةُ .يسلِّم شخصيته في إيمان روحه الحي،
إلى رغبته العظيمة التي تسيطر عليه ،قد لورد كلفورد نتيجة إصابته ،في حين تتفجر زوجته
ليدي تشاترلي طاقة وعنفوا ًنا فتلجأ إلى حارس
يتنازل عن اسمه ،شهرته ،ثروته ،حياته ،وكل
شيء .بمجرد أن يؤمن إنسان في تكامل روحه الغابة ،الذي يعمل لدى زوجها ،وتنشأ بينهما علاقة
الشخصية ،يتنازل عن شخصيته في سبيل ما في أحضان الطبيعة ويبدآن م ًعا حياة جديدة».
يؤمن به ،ويصبح واح ًدا في جسم متوحد .إنه
يعرف ماذا يفعل .يتنازل بشرف وفي توافق مع البحث عن الدفء
رغبة روحه الأعمق .يتنازل ويبقى مسؤو ًل عن
نقاء تنازله» (د.هـ .لورانس« :فانتازيا الغريزة»، في أحد مشاهد الرواية بعد زواج كلفورد من
كوني يتم استعراض العلاقة الحميمية بينهما،
ترجمة عبد المقصود عبد الكريم ،كتاب الهلال ويرى الراوي أن الجانب الجنسي ليس هو المحور
ع ( )503جماد أول /نوفمبر ،1992القاهرة، الأساسي في علاقتهما ،وهو ما أرتضاها الطرفان
ومن ثم يأتي التساؤل :متى بدأ التحول في العلاقة؟
مؤسسة دار الهلال ،ص.)164 وما الذي دفعها إلى هذا المصير؟ نتأمل المشهد
من المفيد ج ًّدا وضع شخصية كلفورد ونظرته إلى أو ًل ،هكذا« :وتزوج كلفورد من كوني ،وقضى
نفسه باعتباره عاج ًزا ،وهو ما دفعه إلى الانزواء معها شهر العسل .كانت 1917سنة رهيبة ،وكانا
والابتعاد عن أهل القرية ،في سياق التغيرات التي حميمين مثل شخصين يقفان م ًعا في سفينة تغرق،
حلَّت بالعلاقة بين الطرفين وانصراف كوني عنه كان عذر ًّيا حين تزوج :ولم يكن الشق الجنسي
يعني له الكثير .كانا ،هو وهي قريبين ج ًّدا باستثناء
إلى حارس الطرائد :فكلفورد كما يصفه الراوي: ذلك .وابتهجت كوني قلي ًل بهذه الحميمية التي
«كان خجو ًل ج ًّدا وصار قل ًقا لأ َّنه كسيح ،يكره تتجاوز الجنس ،وتتجاوز «إشباع» الرجل ،وعلى
رؤية أي شخص باستثناء َخدمه الشخصيين .لأنه أية حال لم يكن كلفورد حري ًصا بالضبط على
مضطر للجلوس على كرسي متحرك أو نوع ما من «إشباعه» ،كما يبدو الكثير من الرجال .لا ،كانت
كراسي الحمام» ،ومع هذا الخجل وذاك الانزواء إلا الحميمية أكثر عم ًقا وشخصية أكثر من ذلك .ولم
أنه لم يتخ َّل عن عاداته بصفته سي ًدا أو من الطبقة يكن الجنس إلا أم ًرا عار ًضا ،أو إضافيًّا ،إحدى
الغنية فهو «يرتدي ملابسه بعناية كما كان يفعل العمليات العضوية الغريبة البائدة التي استمرت في
دائ ًما ،من ترزية أسعارهم مرتفعة ،ويضع بعناية حماقتها الخاصة ،لكن لم يكن ضرور ًّيا ح ًّقا .ولم
ربطات عنق من بوند ستريت بالضبط ،كما كان تكن كوني تريد أطفا ًل :وإن كان ذلك يحصنها ضد
يفعل من قبل ،ويبدو من أعلى أني ًقا ورائ ًعا كما كان
إيما أخت زوجها» (الرواية :ص.)33
دائ ًما» (الرواية :ص.)39 المشهد يشير إلى أن العلاقة بين الطرفين التزمت
هذا التعالي يكشف إحساسه بعجزه ،ويسعى بتأنقه
الزائد إلى مواراة هذا العجز ،لا فقط بمظهره ،وإنما اتفا ًقا مضم ًرا مفاده أن الجنس ليس محو ًرا
أساسيًّا في علاقتهما ،وأنهما ارتضيا -عن طيب
أي ًضا بسلوكه «يهتم عن بعد؛ مثل رجل ينظر من خاطر -علاقة مثالية ،الغريب أن قبول العلاقة
ميكرسكوب ،أو من تليسكوب ،لم يكن على اتصال بهذا الشكل من جانبه له ما يبرره وهو عجزه،
أما قبولها هي فكان مؤقتًا إلى أن بدأت تستجيب
بأحد ،لم يكن فعليًّا على اتصال بأحد ،باستثناء لنوازعها الداخلية ،فكما يقول لورانس في كتاب
راجبي ،بشكل تقليدي» (الرواية :ص .)40وقد «فنتازيا الرغبة»« :الجنس ،إ َّنه أم ٌر شخص ّي،
كان للعجز العضوي الأثر الكبير في عملية التعالي
والانزواء ،وقد جاءت كنوع من التحايل على العجز
الذي فشل في أن يواريه عن زوجته كوني في
مراحل متقدمة من سير الأحداث .وربما كان هذا