Page 17 - merit 46 oct 2022
P. 17
15 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الفرد والعالم
ال ِّصناعي
بغض النظر عن العلاقات
الحسية التي تكررت
داخل الرواية ،والتي كانت
نتيجة لحالة الانفصال
الحميمي التي وجدتها
«كونستانس» أو «كوني»
في علاقتها بكلفورد ،وهي
في الأصل كانت ليس
نتا ًجا عن العجز الذي
أصاب نصفه السفلي،
وإنما كانت تتوي ًجا لحالة
الانفصال التام لما يحيط
دوريس ليسنيج ديفيد هربرت لورانس عبد المقصود عبد الكريم به من كائنات؛ رجاله
ُح َّراس الصيد ،ورجال
فهو «منذ البداية مشدود إلى آلة ،آلة التعدين أو
الغابات أو البساتين
والعمال ،فالذي كان يربطه بهم هو العامل المادي،
ما عدا ذلك فهم ينطبق عليهم ما ينطبق على حارس آلة الحرب التي أقعدته ،تتحكم فيه الآلة بقدر ما
يتحكم فيها ،تأث ًرا أو تأثي ًرا متبادلين» .هذه الفردية
والتفكير في الأنا دفعت الزوج في بادئ الأمر لأن الصيد الذي يبدو في نظره «حيوا ًنا نصف مر َّوض،
ُيح ِّرض الزوجة على إنجاب طفل من آخر ،المهم به قدر من اللُّطف الحيواني ،وقدر من ال ُّسوقية
عنده هو استمرارية حياته الخاصة ،وتطورها، نصف الحيوانية» .وقد تجلت حالة الانفصال في
المشهد الذي شعرت فيه كوني بذعر كلفورد من
نفورها منه .وعندها أخذت ُتحاسب نفسها ،وتأ َّكد وعندما سألته كوني في تعجب« :ولا يعنيك طفل
لها أنها لا تميل إليه ،بل نفرت من جسده حتى قبل من أحمل؟» .فجاء الجواب هكذا« :لماذا يا كوني،
عل َّي أن أثق في غريزتك الطبيعية في اللياقة،
أن يتعطل ويشل .أما ما جذبها إليه فهو قوة عقلة
والانتقاء ،لن تسمحي لرجل سيئ يلمسك»
وحدة ذكائه ،وبدا «سي ًدا لها ،ومعل ًما وهاد ًيا».
(الرواية :ص.)89 الرواية تدين -في أحد أوجهها المتعددة -النزعة
ثم يعلن في خطوة أبعد رفضه معرفة من يكون. الصناعية التي راحت تطغي على المدينة ،حتى
فيقول جوا ًبا لسؤالها :وتتوقع أن أخبرك؟ فيرد في كادت أن تمحوها كما محت الأكواخ ،فـ»إنجلترا
برود« :لا إطلا ًقا ،أف ِّضل ألا أعرف» .ثم يقول« :هل الصناعية تمحو إنجلترا الزراعية» أو «إنجلترا
هذه الإثارات المؤقتة مهمة؟» (الرواية :ص،)90 الجديدة تمحو إنجلترا الزراعية» (الرواية:
ثم تأتي ذروة الأنانية بقوله« :لا جدوى من حياة ص ،)271وهذه النزعة الصناعيَّة التي استشرت
محطمة .إذا كان عدم ممارسة الجنس يحطمك، بانتشار طبقات العمال أو الطبقات الدنيا ،كان لها
ولتكن لك علاقة حب ،إذا كان عدم وجود ه َّيا، نتاجها في شيوع الفردية التي نتجت عن الإفراط
يحطمك ،فليكن لك طفل إذا استطع ِت .لكن طفل في استخدام الآلة أ ًّيا كان نوعها؛ آلة الحرب ،وآلة
افعلي هذا فقط لتكون لك حياة متكاملة ،تخلق التعدين أو حتى السيارة والعكازين .فكان كلفورد
انسجا ًما طويل المدى ،وأن ِت وأنا يمكننا القيام مشدو ًدا إلى الآلة على ح ِّد تعبير أمين العيوطي