Page 15 - merit 46 oct 2022
P. 15

‫‪13‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫الحرب ْين العالميت ْين‪ .‬فلم يكن هدف لورانس في هذه‬       ‫مقابل هذه الأسئلة هو الصمت‪ .‬وكانت المفاجأة أن‬
  ‫الرواية‪ ،‬التي تعرضت وكاتبها للانتقاد والتشهير‬           ‫لجنة الخبراء التي ش َّكلتها المحكمة لفحص الرواية‬

    ‫والاضطهاد والملاحقة؛ الإباحية لذاتها‪ ،‬بل سبر‬            ‫‪-‬وقد ضمت العلماء وال ُكتَّاب والمثقفين‪ -‬انتهت‬
‫أغوار العلاقة الزوجية بأبعادها كافة‪ ،‬وهو ما ُيف ِّسر‬     ‫بعد الفحص والتدقيق إلى «أن الرواية ذات مستوى‬
‫إصرار ديفيد لورانس على عدم التخفيف من الجنس‬
                                                            ‫فني رفيع‪ ،‬ولا يمكن اعتبارها إباحية‪ ،‬بأي حال‬
   ‫في الرواية‪ ،‬وفي الوقت ذاته هذا الإلحاح الجنسي‬           ‫من الأحوال»‪ ،‬لكن المحكمة لم يطمئن يقينها لهذه‬
  ‫نابع من رؤية ذاتية‪ ،‬قد صاغها فيما بعد في مقالة‬          ‫النتيجة‪ ،‬فأحالت الرواية إلى رئيس الأساقفة «فير‬

      ‫عن الرواية بعنوان «رؤية ذاتية عن عشيق‬                           ‫وولويج» لاستطلاع رأيه في الرواية‪.‬‬
  ‫الليدي تشاترلي» أوضح فيها أفكاره عن الجنس‬                 ‫وانتهى هو الآخر إلى أن «رواية عشيق الليدي‬
                                                           ‫تشاترلي ليست مخلة بالآداب»‪ .‬وهذه الشهادة‬
     ‫والجمال والحب‪ .‬وكيف يحدث التوافق‪ .‬ويب ِّرر‬             ‫تتطابق بنسبة ما‪ ،‬مع شهادة سيدة من أعضاء‬
 ‫العلاقة بين الجنس والجمال كما أرادها في الرواية‬           ‫لجنة الخبراء التي قالت في شهادتها‪« :‬إن الرواية‬
 ‫بقوله‪« :‬الجنس والجمال هما شيء واحد‪ ،‬كالشعلة‬            ‫رفعت العلاقة الجنسية إلى مستوى التقديس»‪ ،‬وهو‬
                                                          ‫ما قابلته قاعة المحكمة بالتصفيق الحاد‪ .‬استمرت‬
   ‫والنار‪ .‬بكراهية الجنس ستكره الجمال‪ ،‬وبعشق‬                 ‫المحاكمة ثماني سنوات ث َّم أرغمت دار بنجوين‬
     ‫الجمال ستحب الجنس‪ .‬الجمال بمفهومه الحي‬                  ‫المحكمة على إعطاء الموافقة على نشرها‪ ،‬فطبعت‬
‫الخالص‪ :‬تستطيع أن تحب الجمال في شيء صامت‬                   ‫مليوني نسخة اختفت من الأسواق بلمح البصر‪.‬‬
 ‫مثل لوحة أو تمثال أو ما شابه ذلك وتكون كار ًها‬
     ‫للجنس‪ ،‬ولكن أن تحب الجمال الحي لا ب َّد من‬               ‫واعتمدت دار بنجوين في دفاعها على الرسالة‬
 ‫احترام الجنس»‪ .‬وبعد استفاضة عن كيفية تحقيق‬                               ‫الاجتماعية البنَّاءة لهذه الرواية‪.‬‬
  ‫التوافق بين الجسد والعواطف‪ ،‬وكيف أ َّن الجنس‬
  ‫الحقيقي ُيقاوم العاطفة المزيفة‪ ،‬حتى ع َّد «الجنس‬           ‫وكما يقول عبد المقصود عبد الكريم في مقدمة‬
                                                              ‫الطبعة الجديدة الصادرة عن دار آفاق للنشر‬
                     ‫بلا حب هو دعارة مؤ َّكدة»‪.‬‬            ‫‪ ،2018‬إن النص الكامل للرواية «لم ُيطبع إلا في‬
     ‫يستمر في توصيف العلاقة بين الرجل والمرأة‬                ‫‪ 1959‬في نيويورك وفي لندن ‪ 1960‬بعد اتخاذ‬
      ‫ويعتبرهما «نهران من الدم» لهما القدرة على‬             ‫القرارات القانونية بشأنها في المحاكمة الشهيرة‬
     ‫التلامس والاتصال والتج ُّدد وتجديد بعضهما‬                ‫بشأن الرواية‪ ،‬ضد دار بنجوين‪ ،‬التي نشرت‬
   ‫بع ًضا‪ .‬وإن كان يجعل «عضو الذكر هو الرابطة‬             ‫الرواية‪ ،‬بموجب قانون المنشورات الفاحشة‪ ،‬وقد‬
 ‫التي تصل بين النهرين» فيجعل التيارين متوحدين‬              ‫انتهت بتبرئة بنجوين‪ ،‬وتبرير استخدام الرواية‬
      ‫ويخرج من ثنائيتهما مفرد جديد هو التوحد‪،‬‬                 ‫لمصطلحات جنسيَّة كانت محظورة حتى ذلك‬
 ‫والذي يتح ّقق بينهما تدريجيًّا عبر فترة الحياة هو‬            ‫الوقت‪ .‬وسمحت هذه القرارات بحرية نشرها‬
 ‫أعظم إنجاز للزمن أو الأبدية‪ ،‬فمنه تنبع كل الأمور‬
  ‫الإنسانية‪ :‬الأطفال والجمال والأشياء الرائعة‪ .‬كل‬               ‫وتداولها‪ ،‬وصارت الرواية نموذ ًجا لعدد لا‬
    ‫الخليقة الإنسانية‪ ،‬وكل ما نعرفه عن إرادة الله‪،‬‬         ‫ُيحصى من الأوصاف الأدبية للأفعال الجنسية‪.‬‬
   ‫وأنه أراد ذلك التو ُّحد أن يحدث ويتح َّقق في فترة‬
    ‫الحياة‪ ،‬وداخل ثنائية التيارين العظيمين للدم»‪.‬‬            ‫الرواية تص ِّور علاقة ح ٍّب جنسي بين حواجز‬
   ‫العجيب في الأمر أنه استغ َّل تحليلاته ليدافع عن‬         ‫الطبقة والزواج‪ .‬العشيق حارس طرائد عند زوج‬
      ‫التهمة التي وجهت إليه فيقول « َمن يتهمونني‬
‫بالبربرية‪ ،‬وبأنني أريد العودة بإنجلترا إلى البدائية‪،‬‬           ‫العشيقة‪ ،‬وبتعبير لورانس‪ ،‬على لسان السير‬
  ‫ولكن ما اعتبره بربر ًّيا وبدائيًّا هو البلاهة والموت‬       ‫كلفورد تشاترلي‪ ،‬زوج الليدي تشاترلي ينتمي‬
  ‫فيما يتعلَّق بالجنس‪ .‬الرجل الذي يجد أكثر أجزاء‬             ‫«للطبقة الخادمة»‪ ،‬والعشيقة‪ ،‬الليدي تشاترلي‪،‬‬
       ‫المرأة إثارة ملابسها الداخلية هو الذي يكون‬       ‫تنتمي «للطبقة الحاكمة»‪ ،‬بتعبير لورانس‪ ،‬على لسان‬

                                                                                      ‫الشخصية نفسها‪.‬‬
                                                            ‫الرواية كان لها أث ٌر تثقيفي مه ٌّم في جيل ما بين‬
   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20