Page 11 - merit 46 oct 2022
P. 11

‫إبداع ومبدعون ‪9‬‬                                         ‫لأسرة عاملة متوسطة الحال‪ ،‬كان أبوه من ع َّمال‬
                        ‫رؤى نقدية‬                     ‫المناجم‪ ،‬أما أمه فكانت على قد ٍر من التعليم والثقافة‬

      ‫فعلى المدى البعيد لا ُتمثِّل هذه الكلمات حقيقة‬    ‫بخلاف والده‪ ،‬وهو ما كان أحد أسباب الخلافات‬
‫المرأة»‪ ،‬ومرة ثانية يضيف قائ ًل‪« :‬إن ما تحتاج إليه‬         ‫بينهما وقد انته ْت بال َّطلاق‪ ،‬وأشار ديفيد لهذه‬
‫المرأة هو الاكتفاء‪ ،‬على الأقل الاكتفاء الجسدي بقدر‬
                                                         ‫العلاقة في روايته «أبناء وعشاق» ‪ ،1913‬والتي‬
  ‫ما هي بحاجة إلى الاكتفاء النفسي‪ ،‬الجنس بنفس‬                     ‫عالج فيها العلاقات الغرامية والعائلية‪.‬‬
 ‫قدر ما تحتاجه من الروح» (على حسن‪ :‬في صحبة‬
                                                         ‫تع َّددت مجالات إبداعه فهو يوصف بأنه روائي‪،‬‬
    ‫الكتب‪ ،‬ص‪ )53‬وكأن الرواية بمثابة ارتياب في‬            ‫وشاعر‪ ،‬وكاتب مسرحي‪ ،‬وكاتب مقالات‪ ،‬وناقد‬
 ‫العواطف التي تريد طبقة البرجوازيين فرضها على‬
                                                           ‫أدبي ورسام أي ًضا‪ ،‬كما كتب في أدب الرحلات‬
                                        ‫المجتمع‪.‬‬             ‫وترجم أعما ًل عديدة من اللغة الفرنسيَّة إلى‬
  ‫وعن ال ِّرواية التي حظيت بشهرة عريضة‪ ،‬يعترف‬
                                                          ‫الإنجليزية‪ ،‬وله لوحات عديدة مرسومة‪ ،‬وكان‬
   ‫لورانس قائ ًل‪« :‬كتب ُت الرواية ثلاث مرات‪ ،‬وبعد‬         ‫التأثير ال َّسلبي للحضارة الحديثة على الجوانب‬
   ‫أن قرأت النسخة الأولى لاحظت أن عجز كلفورد‬               ‫الإنسانيَّة للحياة وتجريد هذه الحياة من البعد‬
    ‫جاء رمز ًّيا بالشلل‪ ،‬كان الشلل الأعمق لمشاعره‬
    ‫وأحاسيسه المميزة لنوعيته من الرجال ولطبقته‬               ‫الإنساني هو محور أغلب أعمال هذا الأديب‬
    ‫حاليًا‪ .‬هل هذه رمزية؟ الرواية بمدلول أحداثها‬      ‫البريطاني‪ ،‬ويرى بعض النقاد أ َّن الرجل أسر َف في‬
                                                      ‫سوداويته‪ ،‬وكذلك في الاعتماد على المشاهد الجنسيَّة‬
      ‫جعلتها رمزية‪ ،‬بطل الرواية كلفورد يعود من‬
   ‫الحرب مقع ًدا‪ ،‬نصفه الأسفل يعيش مشدو ًدا إلى‬                               ‫الف َّجة في توصيل أفكاره‪.‬‬
                                                        ‫أخذت حياته أطو ًرا مختلفة‪ ،‬وقد أسهمت جميعها‬
      ‫مقعد يمنعه من التن ُّقل في أرجاء متنزه قصره‬      ‫في تشكيل وعيه‪ ،‬وكذلك أسلوبه وأعماله الإبداعيَّة‪.‬‬
                                       ‫وغابته»‪.‬‬         ‫فبعد أن تأ َّهل إلى الجامعة تع َّرف على فريدا ويكلي‬
                                                         ‫زوجة أستاذه في الجامعة‪ ،‬وهي ألمانية من عائلة‬
     ‫حاول لورانس نشرها فرفض جميع الناشرين‬
‫عمله‪ ،‬مما دفعه إلى طباعتها س ًّرا وتوزيعها‪ .‬فاضطر‬         ‫نبيلة‪ ،‬ثم هربا م ًعا إلى ألمانيا‪ ،‬إلى أن تزوجا عام‬
                                                       ‫‪ ،1914‬وكانت علاقتهما خلفية للعديد من رواياته‪،‬‬
    ‫لورانس لإعادة كتابتها مرة ثانية وثالثة‪ ،‬ولأنه‬
‫كان عني ًدا أص َّر على عدم حذف أي كلمة من روايته‬                   ‫حتى وفاته في مدينة ڤنس الفرنسية‪.‬‬
‫حينما فاوضه الناشرون على ذلك‪ ،‬وقد أعلن رفضه‬              ‫كانت عشيق الليدي تشاترلي ِنتاج موقف مضاد‬
                                                         ‫[أو لحظة ُكره] اتخذه‪ /‬ها لورانس ض َّد المجتمع‬
     ‫قائ ًل «إن خضوعي لهم‪ ،‬مثل محاولتي لتغيير‬           ‫البرجوازي‪ ،‬فهو أثناء كتابتها التي استمرت أكثر‬
  ‫شكل أنفي بتقليمه بمقص؛ ليصبح أجمل شك ًل»‪،‬‬
                                                                          ‫من عامين بين خريف ‪،1927‬‬
    ‫ثم يتط َّرق في هذه الرسالة التي أرسلها لطليقته‬                          ‫وصيف ‪ ،1929‬كان يعيش‬
   ‫لفسلفته من وراء رفضه تنقيح الرواية وتهذيبها‬
                                                                        ‫وحي ًدا بعد انفصاله عن زوجته‪،‬‬
       ‫قائ ًل‪« :‬الألفاظ التي تصيب‬                                         ‫وقد ظهر تأثير هذا الانفصال‬
     ‫بالصدمة الشديدة في البداية‬                                               ‫وتلك الوحدة في مضمون‬
 ‫سيعتادها القارئ بعد أن يمضي‬
‫في قراءة الرواية»‪ ،‬مبر ًرا ذلك «لأن‬                                     ‫رسائله إلى أصدقائه‪ ،‬إ ْذ عكست‬
    ‫الألفاظ تصدم العين ولكنها لا‬                                            ‫موقفه ض َّد المرأة‪ ،‬فيقول في‬

            ‫تصدم العقل مطل ًقا»‪.‬‬                                        ‫واحدة من هذه الرسائل‪« :‬يبدو‬
      ‫تدور حكاية «عشيق الليدي‬                                              ‫لي أن الأمر الرئيس بالنسبة‬
  ‫تشاترلي» حول شخصية السيد‬
      ‫كلفورد تشاترلي‪ ،‬رجل المال‬                                         ‫للمرأة هو أنها لا يمكن تعريفها‬
     ‫والصناعة‪ ،‬واسع الثراء‪ ،‬وإن‬                                               ‫بكلمات من قبيل الحب أو‬
     ‫كانت الحرب ألحقت به عاهة‬
   ‫وتركته مشلو ًل ومصا ًبا بعجز‬                                           ‫الجمال أو الجدارة أو التح ُّرر‪،‬‬
   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16