Page 271 - merit 46 oct 2022
P. 271

‫‪269‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫رؤية ذاتية‬

   ‫وكثيرة التصفيق والخلود‪ .‬كل‬           ‫نقطة من الحياة فمن الكذب أن‬        ‫تبوء بالباطل‪ ..‬تعرف ما الباطل‬
  ‫صفحاتها جزء من جسد واحد‪،‬‬              ‫نفرغ روايات اليوم من فائض‬            ‫في الرواية؟ هو أن نقرأها ولا‬
 ‫إذا ارتجف سطر واحد تداعى له‬
                                                             ‫المعرفة‪.‬‬    ‫نصدقها‪ ..‬أو نقرأها ونضحك من‬
                     ‫النص كله‪.‬‬            ‫كثيرا ما يحدث لها أن تدخل‬       ‫سذاجتها‪ ..‬أو‪ ..‬نقرأها ونظل على‬
     ‫يحب الهامش على صفحاتي‬              ‫البيوت الموحشة وتقضي ليلها‬
    ‫الفراغ لما فيه من طاقة كامنة‬          ‫تفكر في دفء تحمله الكلمات‬         ‫مسافة متشككة من كل سطر‪.‬‬
  ‫لمعان لم تطقها الحياة‪ ..‬السطور‬         ‫وتخفيه من عهد آدم‪ .‬لا تضع‬       ‫هي نصوص كثيرة المعارف لأنني‬
      ‫تكتب كلها بالقلم «الأحمر»‬         ‫عناوين ولا فتات على كل شيء‬
 ‫كصاحبها‪ ،‬صلب ومولع بالبحث‬            ‫يحيط بها‪ .‬الدعارة فقر في محيط‬        ‫شخص يعيش في زمن‬
 ‫عن الثقوب على أديم الصفيحات‬            ‫النصوص (رغم أنها ثراء كبير‬        ‫كثير المعارف‪ ،‬متخم‬
‫البيضاء العذراء لملئها بمائه الذي‬                                         ‫بالتجارب الكامنة‬
 ‫ينض ُح حياة‪ .‬والدستور واحد لا‬                              ‫داخلها)‪.‬‬     ‫في الذاكرة العامة‬
   ‫دستور سواه‪ :‬ما ُخلق كل هذا‬         ‫وقد أصيبت نصوصي باك ًرا بما‬          ‫للناس‪ ،‬ولأن‬
  ‫باط ًل‪ .‬هنالك موانع كثيرة تمنع‬       ‫في مقولة رولان بارط الشهيرة‪:‬‬      ‫الروايات تقع‬
‫كثي ًرا من القراء من قراءتي‪ :‬ربطة‬
   ‫العنق على رأسها‪ .‬ثم التضحية‬           ‫«فجأة‪ ،‬لم يعد يه ُّمني أن أبدو‬      ‫في أقرب‬
       ‫بعادة النظر صوب الجبل‪.‬‬              ‫حديثًا أو حداثيًّا»‪ ..‬أحاديث‬
 ‫نصوصي تخوض تجربة معقدة‬
    ‫مع التراث‪ ،‬فلا هي تنفك عنه‬       ‫المجتمع من حولها محدودة الأثر‪،‬‬
   ‫ولا هي تغرق فيه‪ .‬علاقة فيها‬       ‫ورؤيتها غير الواضحة‪ ،‬مسيرتها‬
‫أخذ ورد مستمران‪ ،‬فيها مساءلة‬           ‫هي مصيرها لا العكس‪ .‬وكل ما‬
  ‫ومراجعة دائمان‪ .‬هي نصوص‬            ‫فيها ‪-‬وهذا مما يستوجب الانتباه‬
  ‫لا تفيد فيها المقارنات مع ما في‬     ‫الشديد‪ -‬قابل للنسف بجرة قلم‪.‬‬
 ‫الذاكرة الأدبية‪ ،‬لأنها بنات العين‬    ‫نصوص مفردة الاستعمال‪ ،‬غير‬
   ‫والأذن‪ ،‬وليست مصنوعة من‬            ‫قابلة للتدوير‪ .‬ولكنها كلما نضج‬
  ‫كلمات فحسب‪ .‬لا تكره الأرائك‬
    ‫من حيث المبدأ‪ ،‬ولكنها تفضل‬           ‫جلدك أنت القارئ بدلت هي‬
 ‫أن تجلس أر ًضا‪ ..‬فهي نصوص‬               ‫جل ًدا غير جلدها‪ .‬هي‬
 ‫كتبت أر ًضا بأقلام مقلوبة تحت‬        ‫تعيش الحياة كبتلة‬
   ‫رعاية دقائق وثوان تنهمر من‬           ‫واحدة‪ ،‬ليست‬
    ‫ساعات رقاصها يسير عكس‬              ‫فيها صفحة‬
                                     ‫نبيلة موضبة‬
                       ‫الاتجاه‪.‬‬         ‫للجوائز‬
‫هي نصوص لا تتحرج من تناول‬

     ‫بعض النبيذ الأحمر‪ ،‬ولا من‬
‫السماح للعقل أن ُي َط ّه َر من خلال‬
 ‫زوال العقل‪ .‬هي نصوص تداعب‬

   ‫المجاز حتى تطوعه‪ ،‬بيوتها بلا‬
  ‫أبواب‪ ،‬فيها نوافذ فقط‪ .‬الأبواب‬
  ‫في عرفها لا تصلح إلا للقوادين‬
   266   267   268   269   270   271   272   273   274   275   276