Page 267 - merit 46 oct 2022
P. 267

‫‪265‬‬            ‫ثقافات وفنون‬

               ‫حوار‬

                                                                     ‫الأخذ في الاعتبار أن “جيل‬
                                                                     ‫الفيس بوك” لا يصبر على‬
                                                                     ‫قراءة التدوينات الطويلة‪،‬‬
                                                                      ‫يكتفي بقراءة سطرين ثم‬
                                                                     ‫تجري إلى تدوينة أخرى‪..‬‬

                                                                                        ‫وهكذا‪.‬‬

‫محمد المخزنجي‬  ‫فيودور دوستويفسكي‬  ‫رشيد بوجدرة‬                           ‫حتى التسعينيات‪ ،‬كان الروائي‬
                                                                          ‫ابنًا للأدب بمفهومه الواسع‪،‬‬
    ‫لدور نشر صغيرة كالجراد‬        ‫الرواية‪ ،‬ودائ ًما ما كان الساردون‬
  ‫تنشر أي شيء بل وتعلن على‬          ‫قرا ًء للشعر‪ ،‬وهذا بديهي‪ ،‬لكن‬    ‫فكانت قراءاته الروائية مجرد فرع‬
   ‫السوشيال ميديا عن حاجتها‬             ‫هذا تقلص حد الاختفاء في‬        ‫من قراءاته الشعرية والمسرحية‬
                                      ‫السنوات الماضية‪ .‬ولذلك فأنا‬          ‫والقصصية‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬ومع‬
                ‫لروائيين جدد!‬         ‫أرى أن مأزق الشعر ليس في‬          ‫دخول الألفية بالتحديد‪ ،‬ظهرت‬
     ‫أقول هذا بينما أتذكر أن في‬     ‫انصراف العامة‪ ،‬فناد ًرا ما كان‬
‫التسعينيات كان لا يختلف نشر‬                                          ‫صرعة الكتاب القادمين من منطقة‬
‫رواية عن نشر مجموعة شعرية‪،‬‬        ‫الشعر الحديث رائ ًجا خارج ذائقة‬         ‫«الرواية الخفيفة” وهم قراء‬
 ‫بل ربما كان الشعراء هم الأكثر‬    ‫النخبة‪ .‬مأزق تلقي الشعر أصبح‬
 ‫بري ًقا على المستوى الإعلامي في‬   ‫في انصراف هذه النخبة نفسها‪،‬‬       ‫للروايات فقط‪ ،‬بل ولأنواع بعينها‬
                                  ‫مع تغير طبيعة النخبة الكاتبة‪ ،‬في‬   ‫مثل أدب الرعب والجريمة‪ ،‬وحتى‬
                   ‫ذلك الوقت‪.‬‬
                                                 ‫الأجيال الأحدث‪.‬‬          ‫خبرتهم الأدبية خارج أنواع‬
    ‫أنا ممن يعتقدون أن‬                  ‫أقول هذا من واقع خبرتي‬          ‫بعينها من الروايات لا تتجاوز‬
‫«جوائز الخليج» صبغت‬                ‫المباشرة بمشهد الكتابة الجديد‪.‬‬       ‫خبرات «العامة»‪ .‬هؤلاء الكتاب‬
                                    ‫ولذلك يمكنك أن تجد هذا الفقر‬     ‫بدأوا كتاباتهم الأولى بطريق غائي‬
   ‫كتابة الرواية العربية‬           ‫“الشعري” يتعمق في النصوص‬            ‫له ملامح تجارية واضحة‪ ،‬ومع‬
‫بالشكل الذي تريده‪ ،‬مث ًل‬             ‫الروائية نفسها لصالح سيولة‬      ‫نجاح بعض التجارب في دور نشر‬
                                      ‫الحكي التجارية التي تدعمها‬     ‫معروفة‪ ،‬انصاعت كافة الأطراف‪،‬‬
   ‫زاد الاهتمام بالرواية‬           ‫الكثير من دور النشر‪ ،‬وبخاصة‬
‫التاريخية‪ ،‬وقل التعرض‬                  ‫مع تحول الرواية إلى نشاط‬           ‫وبعد أن كانت كتابة الرواية‬
‫للتابوهات الثلاثة‪ :‬الدين‬           ‫« ُمجد» مع اتساع رقعة المكتبات‬      ‫«بعبع» أصبح التجرؤ عليها هو‬
‫والجنس والسياسة‪ ..‬هل‬                 ‫وتكاثر الجوائز وظهور كثيف‬
 ‫تشاركني في هذا الرأي؟‬                                                   ‫المتن‪ .‬لا أقول إنه يشترط على‬
                                                                         ‫الروائي أن يبدأ قا ًّصا‪ ،‬فهناك‬
                                                                      ‫مواهب روائية من اللحظة الأولى‪،‬‬
                                                                          ‫لكن سياق «الروايات الأولى»‬
                                                                       ‫الكثيرة المنشورة يقول إن الجيد‬
                                                                         ‫نادر وشحيح‪ ،‬وإن الرغبة في‬
                                                                        ‫مجاراة «الترند» أقوى في أغلب‬
                                                                       ‫الحالات من الدافع الفني نفسه‪.‬‬

                                                                           ‫اتصا ًل بما أسلفت‪ ،‬أرى أن‬
                                                                     ‫القصة متراجعة لأن قراءة الشعر‬

                                                                       ‫متراجعة بين الساردين‪ .‬القصة‬
                                                                           ‫ابنة الشعر أكثر ما هي ابنة‬
   262   263   264   265   266   267   268   269   270   271   272