Page 65 - merit 46 oct 2022
P. 65

‫‪63‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫سبب‪ ،‬لم أقم بإزعاجه قط‪ ..‬لأنني لا أعرفه في‬          ‫الإنسان وح ًشا مفتر ًسا –أو ُس ًّما‪ -‬يؤدي‬
  ‫الأساس‪ ،‬ولا أعرف كيف هو شكله أو ملمسه‬            ‫للفتك به‪ ،‬خاصة أن الكورونا تصيب الجهاز‬
  ‫أو رائحته‪ ،‬بالتأكيد له رائحة‪ ..‬ورائحة مميزة‪،‬‬  ‫التنفسي‪ ،‬وهو مصدر القلق في قصتنا‪ .‬ويقودنا‬
 ‫يجب أن أسألهم لأتأكد”‪ .‬وتلتصق كل الأشياء‬        ‫لتلك الرؤية أن الكاتبة لم تحدد تواريخ الكتابة‪.‬‬
‫برأسه “باتت رأسي مزدحمة بالأشياء الملتصقة‬          ‫وهو ما يعطي حق القارئ في القراءة وفق ما‬
‫بها‪ ،‬هناك ‪ 167‬إبرة خيط ملتصقة بالجزء الأيمن‬       ‫يحيط به من مدخلات‪ ،‬فيصبح منشئًا للقصة‬
‫وسط شعيرات رأسي»‪ ،‬وكأن الرأس جاذب لكل‬              ‫مع كاتبها‪ .‬وهو ما يدعونا‪ ،‬إن فكرنا‬
  ‫شيء‪ .‬ولنصعد نحن إلى تلك الرأس التي تعني‬            ‫في تلك القراءة إلى منحها عنوا ًنا‬
 ‫التفكير‪ ،‬وليصبح كل ما يراه إن هو إلا تخيلات‬       ‫مخال ًفا‪ ،‬فسيكون «القلق»‪ .‬ثم‬
  ‫داخلية‪ ،‬فتتصور أنها واقعة تحت تأثير البنج‪،‬‬      ‫تنبعث الروائح الكريهة من‬
                                                    ‫اللامكان من جسده في‬
    ‫لاستئصال جروح مختبئة من سنين “يحفر‬          ‫“احمرار»‪ ،‬وكأن الرائحة‬
 ‫الأطباء جسدي‪ ،‬وكلما حفروا اكتشفوا جرو ًحا‬      ‫تخرج من لونه الأسود‬
                                                   ‫“يميل لون جسدي‬
      ‫مختبئة من سنين‪ ،‬بنت لها بيو ًتا صغيرة‪،‬‬      ‫إلى الأسود‪ ..‬غريبة‬
      ‫وتعيش في صمت”‪ ،‬فما الخوف والقلق إلا‬         ‫هيأتي‪ ..‬يغرق لون‬
  ‫نابع من داخل السارد‪ ،‬لا من خارجه‪ .‬فتبحث‬       ‫جسدي في السواد‪..‬‬
   ‫عن الهروب –من جلدها‪ -‬فتتصور أنها تفعل‬          ‫تركني هكذا دون‬
    ‫الأشياء الخارقة‪ ،‬ودو ًنا عن الناس‪ ،‬لا يشعر‬
‫بشيء‪ ،‬يسقط من الدور التاسع‪ ،‬ويخلع ذراعيه‪،‬‬
‫ويغرز الإبر في قدمه‪ ،‬يقول الناس إن الدنيا حر‪،‬‬
   ‫ويقولون إن الجو برد‪ ،‬دون أن يشعر بشيء‬
  ‫من كل ذلك‪ ..‬ليعلن “أنا حر‪ ..‬وسأظل كذلك”‪.‬‬
  ‫وإذا ما ربطنا بين هذه القصة وقصة «عفوية»‬
‫والتي رأينا فيها كيف يخطط الماضي للمستقبل‪،‬‬
‫سنصل إلى أن السارد هنا يعاني سجن الجسد‪،‬‬
 ‫المحاط باللون الأسود‪ ،‬والذي يشعر معه بنفور‬
  ‫الآخرين‪ ،‬دون أن يكون له يد في ذلك‪ ،‬وكأنها‬
    ‫لعنة الماضي‪ ،‬الفارض وجوده على الحاضر‪.‬‬

    ‫سمات عامة‬

      ‫من أولى صفات الشعرية في العمل الأدبي‪،‬‬
  ‫استخدام ضمير المتكلم‪ ،‬حيث يأخذ هذا السرد‬
 ‫تجاه البوح‪ ،‬أو مخاطبة الوجدان‪ ،‬وفق ما يقوله‬

     ‫«تودوروف» “إن الشعر لا يروي شيئًا ولا‬
‫يعني أي حدث‪ ،‬لكنها تكتفي في الغالب‪ ،‬بالإعراب‬

   ‫عن تأمل أو انطباع”(‪ .)2‬وهنا ينزع الكاتب إلى‬
    ‫توصيف الحالة‪ ،‬ويهتم بها أكثر من اهتمامه‬
   ‫بـ(حكي) حكاية معينة‪ .‬وإن كان هذا لا ينفي‬
     ‫وجود ما يمكن تسميته بـ(عضم الحكاية)‪،‬‬
   60   61   62   63   64   65   66   67   68   69   70