Page 62 - merit 46 oct 2022
P. 62

‫تزفيتان تودوروف‬                   ‫من أولى صفات الشعرية في العمل‬

       ‫حيث يتحكم الماضي في المستقبل‪.‬‬                  ‫الأدبي‪ ،‬استخدام ضمير المتكلم‪،‬‬
   ‫ويمكن أن نجده في العادات والتقاليد‪،‬‬
   ‫في الموروث الذي يحدد الجينات التي‬                ‫حيث يأخذ هذا السرد تجاه البوح‪،‬‬
 ‫تلعب دو ًرا رئي ًسا في المستقبل‪ .‬ثم ينتقل السرد‬
   ‫إلى التخصيص في “بداية ‪ 1‬مكرر”‪ ،‬فيولد كل‬         ‫أو مخاطبة الوجدان‪ ،‬وفق ما يقوله‬
 ‫إنسان داخل جدار من الجلد “فجأة تنمو أربعة‬
    ‫حوائط جلدية من حولي‪ ..‬أعيش في غرفة من‬          ‫"تودوروف" "إن الشعر لا يروي شي ًئا‬
    ‫الجلد‪ ،‬أقشعر من إحاطتها لي في بادئ الأمر‪،‬‬
    ‫لكن تقتحمني الطمأنينة حين أرى الفراشات‪.‬‬          ‫ولا يعني أي حدث‪ ،‬لكنها تكتفي‬
 ‫الآخرون يملكون غر ًفا مثلي‪ ،‬ينامون في جوفها‪،‬‬
   ‫يستيقظون وهي من حولهم‪ ،‬يسيرون بها في‬               ‫في الغالب‪ ،‬بالإعراب عن تأمل أو‬
‫الطرقات‪ ،‬يحيون بداخلها‪ ..‬تبرز الرأس من نافذة‬
‫صغيرة في حائط أمامي للغرفة‪ ،‬يطلق عليه حائط‬             ‫انطباع"‪ .‬وهنا ينزع الكاتب إلى‬

                                    ‫المستقبل”‪.‬‬    ‫توصيف الحالة‪ ،‬ويهتم بها أكثر من‬
‫فإذا كان الإنسان قد جاء من أم‪ ،‬و َّرثته الجينات‪،‬‬
‫فإنها هنا أطلقته للشارع‪ ،‬محا ًطا باسوار وقيود‪،‬‬       ‫اهتمامه بـ(حكي) حكاية معينة‪.‬‬

  ‫هي جلده‪ ،‬يسعى في الحياة‪ ،‬ويتعرض للعثرات‬                 ‫ماهية ال َع َرق‪ ،‬البلغم‪ ،‬المُخاط‪ ،‬الدم‪ ،‬الدموع‪،‬‬
   ‫التي تودي للنهاية‪ ،‬واحدة وراء أخرى‪ .‬فتأتي‬              ‫والبول”‪ ،‬لتعبر عن شعور السارد ورؤيته‬
                                                    ‫للآخرين‪ ،‬وتؤكد مدى الانفصال عنهم‪ .‬ولتتحول‬
     ‫«نهاية ‪ »1‬حين يكون الحلم في بداية الحياة‪،‬‬      ‫كل الأشياء إلى أصابع بشرية من أسياخ الحديد‪،‬‬
     ‫ممث ًل في البحث عن «الفراشة» رمز النعومة‬        ‫وكأنها السهام المسلطة بين الإنسان والإنسان‪،‬‬
      ‫والشفافية “أنتظر فراشة في بداية الطريق‪،‬‬          ‫حتى “أشعر أنها ستثقب عيني ذات يوم”‪ .‬ثم‬
‫لايهم لونها‪ ،‬انتظر أن تناديني»‪ ،‬غير أن الفراشة‬           ‫نعود إلى حيث كانت البداية “الكتابة وسيلة‬
    ‫لا تأتي‪ ،‬بينما “يصطدم حجر صغير بحائط‬              ‫لإثبات أن الإنسان غير موجود بشكل كامل”‪.‬‬
                                                    ‫فأمام كل تلك الوخزات‪ ،‬والخوف المترقب في كل‬
                                                     ‫ثقب‪ ،‬يتوحد السارد مع الكاتبة‪ ،‬لتصبح القصة‬
                                                       ‫(إخراج) لمشاعر مكبوتة داخل نفس الكاتبة‪/‬‬
                                                      ‫الساردة حين تقول “هل أصبحت غير موجود‬

                                                               ‫حقا؟”‪ ،‬ولتنبثق الشعرية من السرد‪.‬‬
                                                      ‫ثم تأتي ثانية قصص المجموعة «عفوية»‪ ،‬حيث‬

                                                          ‫تختبئ الشاعرية في الشكل‪ ،‬الذي يعبر عن‬
                                                      ‫الرؤية المستترة‪ ،‬فيعكس العنوان‪ ،‬القدرية‪ ،‬تلك‬
                                                     ‫التي تحكم الإنسان‪ ،‬ولا يملك منها فرا ًرا‪ .‬فتبدأ‬

                                                         ‫القصة ببداية عامة‪ ،‬حيث لكل كائن أم‪ ،‬هي‬
                                                      ‫التي تحدد صورة المستقبل‪ ،‬فنقرأ “تقول أمي‬
                                                      ‫في حائط الماضي‪ ..‬حين كنت طف ًل كتبت إحدى‬

                                                        ‫الفراشات ثلاث كلمات على حائط مستقبلي»‪،‬‬
   57   58   59   60   61   62   63   64   65   66   67