Page 64 - merit 46 oct 2022
P. 64

‫العـدد ‪46‬‬   ‫‪62‬‬

                                                                                ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

  ‫تهرب الكاتبة من البشر الذين تعاملت معهم في‬                                    ‫من فمه‪ ..‬روي ًدا روي ًدا وبدفء‪ ..‬جز ًءا جز ًءا‪ ،‬تدب‬
   ‫“خارج” و”عفوية”‪ ،‬وحتى في “متكلم”‪ ،‬حيث‬                                         ‫أنامل الخوف داخل صدري‪ ..‬الخوف مما قاله‪..‬‬
   ‫يأتي القلق والإزعاج من الخارج‪ .‬وتتقوقع مع‬
   ‫نفسها‪ ،‬فلا تسلم من القلق‪ ،‬فيأتي التهديد من‬                                                                ‫أو مما قد يحدث”‪.‬‬
 ‫الداخل‪ ،‬من جزء بالجسد‪ ،‬ينشر القلق والخوف‬                                            ‫لينفتح الأفق للبعيد‪ ،‬للحرية‪ ،‬والديكتاتورية‪،‬‬
‫بالفكر والألم في آخر قصتين بالمجموعة «سوداء»‬                                          ‫وإنغلاق فرص التعبير‪ ،‬حيث ينظر السارد‬
    ‫و”احمرار»‪ ،‬حيث تلتهب الأنف في “سوداء”‪،‬‬                                            ‫للورقة البيضاء‪ ،‬فيرى بها الثنيات الكثيرة‪.‬‬
                                                                                    ‫يخاطب نفسه‪ ،‬أن الأمر لا يتطلب إلا التركيز‪،‬‬
       ‫وكأن مصن ًعا لل ُّسم يعمل داخلها‪ ،‬فتشعر‬                                    ‫وتحكيم الإرادة “أحاول أن أحرر ذيل رقبتي‪..‬‬
               ‫بالتهديد‪ ،‬تهديد خفي وغير مرئي‬                                        ‫لكن الذيل يتماسك مع ِرجل المنضدة‪ ،‬أحاول‬
              ‫“تأخذ أنفي المصنع وتهرب بعي ًدا‪،‬‬                                        ‫أن أمرر إرادتي عليه‪ ،‬ربما أستطيع التحكم‬
                   ‫فأنا لا أشعر بوجودهما‪ ،‬ولا‬                                         ‫فيه”‪ .‬وبعد طول محاولة‪ ..‬وزيادة التركيز‪،‬‬
                   ‫يظهران في المرآة”‪ .‬ولتأتي في‬                                   ‫تنفك كرمشات الورقة البيضاء‪ ،‬بعد أن مسحها‬
                     ‫النهاية حيث ترى أن الأنف‬                                    ‫برموشه‪ ،‬إلى أن تنفرد تما ًما‪ ،‬وينفك الذيل روي ًدا‬
                        ‫موجود‪ ..‬ويبدو طبيعيًّا‪.‬‬
                      ‫فمصدر القلق غير موجود‬                                            ‫روي ًدا من شدة الجذب “أستمر في التركيز‬
                          ‫ظاهر ًّيا‪ ،‬وكأن الكاتبة‬                                ‫وتختفي بقية الثنيات حتى أتحرر”‪ ،‬حيث يتغير‬
                     ‫كتبت قصتها أثناء الجائحة‬
                      ‫‪”-‬كورونا”‪ -‬حيث حارب‬                                            ‫مدخل المقطع النفسي بـ»أنا خائف”‪ ،‬لتنتهي‬
                                                                                    ‫بـ»أنا لست بخائف”‪ .‬فهي إذن رحلة الخوف‬
                                                                 ‫إبتهال الشايب‬       ‫التي يصنعها الآخرون فينا‪ .‬فيصبح الخوف‬
                                                                                    ‫متحك ًما فينا‪ ..‬الخوف مما يقال‪ ،‬والخوف من‬
                                                                                 ‫توابع ما يقال‪ .‬ولتسير باقي الوحدات على نفس‬
                                                                                    ‫المنوال‪ ،‬بالتحول من الحالة السلبية إلى الحالة‬

                                                                                     ‫الإيجابية “أنا سيئ‪ ..‬أنا لست بسيئ”‪“ .‬أنا‬
                                                                                     ‫غبي‪ ..‬أنا لست بغبي»‪ ،‬ثم في النهاية‪ ،‬وكأننا‬
                                                                                ‫نعود للبداية‪ ،‬فنرى العلاقة‪ ،‬أو الاحتكاك بالسلطة‬
                                                                                   ‫الأعلى‪ ،‬فهي في هذه الوحدة يكون مع (المدير)‪،‬‬

                                                                                      ‫ونقرأ عن أحذيته‪ ،‬بما يشير إلى نوعية تلك‬
                                                                                   ‫العلاقة‪ ،‬والتي تؤدي إلى فشل السارد في فرد‬
                                                                                    ‫الورقة‪ ،‬ويظل الذيل ملفو ًفا حول عنقه‪ ،‬ليعلن‬
                                                                                     ‫في البداية “أنا فاشل” ثم “أبحث عن الورقة‬
                                                                                  ‫البيضاء‪ ..‬أريد أن أتناثر بداخلها لكنها منبعجة‪،‬‬
                                                                                   ‫لم يظهر منها في الظلام الداخلي المُعبأ بهمسي‬
                                                                                    ‫سوى بضع قطع بيضاء صغيرة ُمنحدرة إلى‬
                                                                                   ‫أسفل‪ ،‬غير قادرة على حل عقدتي”‪ ،‬فيعلنها في‬
                                                                                  ‫النهاية “ح ًّقا‪ ..‬أنا فاشل”‪ .‬فإذا كانت الكاتبة قد‬
                                                                                    ‫وضعت وحداتها السردية بين دفتي «الوضع‬
                                                                                 ‫السياسي والمدير‪ ،‬أو السلطة العليا‪ ،‬فإنها أعطت‬
                                                                                ‫هذا المنحى التركيز الأساس في القصة‪ ،‬ولتتمحور‬
                                                                                ‫الرؤية الكلية في النهاية حول انسداد أفق التعبير‪،‬‬
                                                                                  ‫أو التكلم‪ ،‬والتي لن يخترقها سوى‪« ..‬الإرادة»‪.‬‬
   59   60   61   62   63   64   65   66   67   68   69