Page 66 - merit 46 oct 2022
P. 66

‫العـدد ‪46‬‬   ‫‪64‬‬

                                                      ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

   ‫الواحد‪ ،‬وكأنه الفروع‪ ،‬المنبثقة من جذر واحد‪.‬‬             ‫فتتوارى الحكاية إلى الخلف‪ ،‬لتترك للوجدان‬
 ‫لتعلن أن الكاتبة‪ ،‬إلى جانب امتلاكها الموهبة التي‬          ‫فرصة الصدارة‪ .‬وهو ما نستطيع تمييزه في‬
‫ُتمكنها من كتابة القصة القصيرة‪ ،‬فإنها ‪-‬أي ًضا‪-‬‬
 ‫تملك من الخبرة ما يمكنها من التجريب‪ ،‬ووضع‬                                         ‫مجموعة «مألوف»‪.‬‬
                                                              ‫ففي قصة «خارج» يبدأ السارد في تقديم‬
     ‫بصمتها الخاصة في إنشاء القصة القصيرة‪.‬‬               ‫الشخصية‪ ،‬التي تبدأ الحديث عن نفسها‪“ ،‬قال‬
                                                        ‫لي جاري‪ ..‬قرأت في إحدى الصحف‪ ..‬علمت من‬
              ‫العناوين‬                                 ‫صديق لي‪ .”..‬وفي قصة «عفوية» يبدأ السارد في‬
                                                         ‫عمل التمهيد “تقول أمي في حائط الماضي»‪ .‬ثم‬
 ‫فض ًل عن العنوان الرئيس للمجموعة «مألوف»‪،‬‬               ‫تتولى الشخصية سرد الحالة “أعيش في غرفة‬
   ‫وما يخبئه من رؤية جامعة لمجموع القصص‪،‬‬                  ‫من الجلد‪ ..‬أنتظر فراشة ما في بداية الطريق‪..‬‬
  ‫كذلك جاءت العناوين الفرعية‪ ،‬حيث استخدمت‬              ‫تتوقف إحداهن أمامي”‪ .‬وهو ما نستطيع تلمسه‬
                                                       ‫أي ًضا في باقي قصص المجموعة‪ .‬وحتى في قصة‬
‫الكاتبة عناوين قصصها من كلمة واحدة لتحملها‬              ‫«لا شعوري”‪ ،‬التي تعددت فيها الأصوات‪ ،‬فإن‬
 ‫بالشاعرية الموحية‪ ،‬والتي تكتنز رؤية القصة في‬           ‫كل صوت منها راح يتحدث عن نفسه‪ ،‬وعلاقته‬
 ‫باطنها‪ ،‬فتفتح أفق التصور أمام القارئ‪ ،‬ليبحث‬             ‫بالماكينة‪ .‬الأمر الذي يكشف عن توزيع السرد‬
                                                      ‫بين السارد والشخصية‪ ،‬وهو ما يخلق الحوارية‪،‬‬
      ‫عن المعنى‪ ،‬ثم تجيء القصة لتستخرج تلك‬             ‫أو توزيع الأدوار‪ ،‬لينضاف ذلك‪ ،‬كتقنية سردية‪،‬‬
  ‫الشاعرية‪ ،‬ولتعلن القصة عن رؤية محددة‪ ،‬قد‬             ‫إلى استخدام الكاتبة‪ ،‬فعل التكثيف‪ ،‬والتحايل على‬
  ‫تتلخص أي ًضا في كلمة‪ ،‬مثل أن نستنبط الرؤية‬              ‫ما قد يوحيه امتداد الزمن في بعض القصص‪،‬‬
‫«حياة» في قصة «خارج»‪ .‬ونستخلص “القدرية”‬                 ‫كحياة السارد من الميلاد إلى الموت‪ ،‬وما قد يبدو‬
                                                       ‫خرو ًجا عن نظام القصة القصيرة‪ ،‬إلا أن الكاتبة‬
      ‫في قصة “عفوية”‪ .‬ونستخلص «الوفاء” أو‬                  ‫استطاعت الهروب من ذلك باستخدام الشكل‬
     ‫“الانتماء” في “لا شعوري”‪ .‬ونستخلص في‬                ‫الدائري‪ ،‬مثلما في قصة «خارج»‪ ،‬حيث انتهت‪،‬‬
   ‫“المتكلم” “الإرادة”‪ .‬وفي “سوداء” نستخلص‬                 ‫رغم مرور الزمن‪ ،‬من حيث بدأت‪ ،‬وتوحدت‬
                                                           ‫الكاتبة مع السارد‪ .‬أو أن تجعل نقطة البداية‬
       ‫«القلق»‪ .‬ومن “احمرار” نصل إلى «سجن‬              ‫حاضرة في كل وحدات القصة السردية‪ ،‬ليتكثف‬
     ‫الجسد»‪ .‬ومن مألوف نستخلص «الجمال»‪،‬‬                    ‫الحضور الأول‪ ،‬فيشعر القارئ أنه لم يغادر‬
    ‫وهو ما يترسخ في ذهن القارئ‪ ،‬رغم أنه من‬            ‫البداية‪ ،‬مثلما في قصة «عفوية»‪ .‬أو تقسيم القصة‬
‫الممكن ج ًّدا ألا يتذكر ما قد يكون بها من أحداث‪.‬‬           ‫إلى وحدات مشتتة في “لا شعوري” غير أنها‬
     ‫أي أن الكاتبة استطاعت أن ُتكثف القصة في‬             ‫تتحلق كلها حول فعل الماكينة‪ ،‬فيصبح التركيز‬
‫“رؤية” مخباة في سرد شائق‪ ،‬حتى أنها –أي ًضا‪-‬‬              ‫عليها‪ ،‬وكأن القارئ لم يغادر المكان‪ ،‬أو الفعل‪.‬‬
    ‫أخفت هويتها الأنثوية وراء السرد الذكوري‪،‬‬            ‫وفي قصة «متكلم»‪ ،‬كما في قصة «مألوف» رغم‬
       ‫باتخاذ ضمير المُذكر‪ .‬وعلى الرغم من منح‬          ‫اعتمادهما على الوحدات السردية المنفصلة‪ ،‬إلا أن‬
   ‫السرد للشخصيات (المُتخيلة)‪ ،‬إلا أننا لا نعدم‬       ‫حضور الذيل والورقة البيضاء في كل الوحدات في‬
  ‫وجود الكاتبة‪ ،‬من خلال ارتباط نتف الحكايات‬             ‫“لا شعوري”‪ ،‬و”الحقيقة” في “مألفوف”‪ ،‬خلق‬
 ‫المسرودة‪ ،‬بالواقع المعيش‪ .‬فإذا كانت الشخصية‬            ‫الرابط بينها‪ ،‬لتمنح القارئ في النهاية (إحسا ًسا‬
    ‫من صنع خيال الكاتب‪ ،‬فإن الكاتب من صنع‬                 ‫كليًّا) بالقصة‪ .‬ثم تعود في قصتي «سوداء» و‬
                                                      ‫«احمرار» للوحدة الكلية للقصة‪ ،‬فلا يتم تقسيمها‪،‬‬
                                  ‫الواقع المعيش‬            ‫أو تشتيتها في وحدات‪ ،‬وإنما يتشعب الحدث‬

                              ‫هوامش‪:‬‬

       ‫‪ -1‬ابتهال الشايب‪ ،‬مألوف‪ ،‬دار النسيم‪ ،‬ط‪.2019 1‬‬
  ‫‪ -2‬سفيتان تودوروف‪ ،‬مفهوم الأدب ودراسات أخرى‪،‬‬

         ‫ترجمة عبود كاسوحة‪ ،‬سلسلة الدراسات الأدبية‪،‬‬
                ‫منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪.2002 ،‬‬
   61   62   63   64   65   66   67   68   69   70   71