Page 61 - merit 46 oct 2022
P. 61
59 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
دبدوبي ،وأشياء لم تعد موجودة” ،فإذا كان نفسه”“ ،لذلك أحمل عدة أفران ،وعلب كبريت،
«الدبدوب» هو الإشارة إلى فترة الطفولة ،فإنه أريها لهم كي يشعلوها ويعيشوا فيها إلى الأبد،
مع غيره من أشياء تلك الفترة ،رحلت إلى عالم
يأخذها أحدهم مني بسرعة ،وأفاجأ بآخر
الذكرى .وهو ما يشير إلى الرؤية الضبابية يعطيني فر ًنا أكبر”.
التي تكتنف المجموعة ،وأن الكاتبة الشابة ،قد
ُوضع على كاهلها الكثير من الحزن ،والرؤية غير حيث تكشف العبارة الأخيرة عن ذلك الصراع
الدائم بينه وبين الآخرين ،فهو يريد إماتتهم،
المتفائلة .فكيف عبرت عن ذلك؟ بينما يرون أنه الأحق بالموت ،فهو النغمة التي
في أولى قصص المجموعة «خارج» حيث الفعل لا تتوافق مع الهارموني .فما الذي يريده هو،
وما يريدون هم؟ يكشف عن ذلك ،رؤية النيل،
(المضارع) الذي يحمل الحركة المستمرة، بسكونه ،ولا مبالاته “أقرر تناول الغداء في أحد
مستبطنًا (الخروج) أي الوداع ،أو المغادر .حيث المطاعم المطلة على النيل ،أتناوله مستغر ًقا في تأمل
تتصدر القصة بجملة “الكتابة وسيلة لإثبات أن حركته البطيئة ،لا يشعر بحركة الناس السريعة
الإنسان غير موجود بشكل كامل” .حيث إقرار من حوله كأنه يعيش في عالم آخر ،لما لا يسرع
من حركته وتصير له أمواج عالية مثل البحر؟!
بوجود الإنسان ،غير أن وجوده غير كامل، أكره البطء” .وليس النيل وحده بما يرميه من
أي غير متحقق ،حيث تواصل الكاتبة أن هذه حمولة دلالية ،تسري في شرايين الوطن ،وإنما
إحدى الجمل للشخص غير المرئي ،في دفتره البشر برتابتهم ،ونظرتهم الجامدة ،الساكنة،
(المهمل) ،حيث إنه ُمغطى ببعض قطرات البول، وامتدادهم –أي ًضا -بطول البلاد وعرضها “لماذا
وكلمتين طيبتين ،وابتسامة واحدة لطيفة .فمن يتركون الأشياء هكذا جامدة؟ متي ستتحرك
بين هذا الحصر لموجودات ذلك الـ»غير مرئي”، وتتكلم؟ هل ستظل هكذا طوال الحياة مهما حدث
سنجدها ،ببعض قطرات البول ،في إشارة إلى أمامها ،يساعد جمودها الحقيقة ،لا أريد أن أرى
البدء ،حيث يبدأ الوجود ،ويستمد وجوده من
تلك البداءة ،مكان ،ومصدر (البول) ،إذن فهي أح ًدا ..أو أسمع أي شيء”.
إشارة غير مريحة ،إن لم تكن بداية تدعو للنفور. وكأن الكاتبة تخرج بقصتها من الرؤية الأحادية
ثم تستمر الحياة ،التي ليس بها سوى كلمتين المحدودة ،إلى الرؤية الجمعية الواسعة .فإذا كانت
طيبتين ،وابتسامة واحدة طيبة ،لينتهي به الأمر
إلى «الخروج» .ثم صفحات فارغة ،حيث يتجسد الضوضاء ،والسكون ،وغياب الجمال ،هو ما
فراع حياة السارد ،إلا من ملاحظات ،في الصفحة يؤرق السارد ،وما يكشف عن (حقيقة) الأشياء
رقم .20تقول “لا أحد يحاورني أو يلتفت إل َّي، والموجودات من حوله ،وما يسعى ،أو يامل ان
أُلقي التحيات في الصباح والمساء ،وتهاني الأعياد يرى “أريد الاستماع إلى الموسيقى ،أية موسيقى
وحفلات الزفاف ..لا أحد يرد” ،حيث تتجسد
من الممكن أن تخلق أم ًل سري ًعا خاط ًفا” .فهو
الوحدة ،وتتوحد الساردة مع نفسها. يريد أن يرى ،ويسمع الجمال ،الذي يحجبه
ثم تأتي ملاحظة أخرى ،حيث تفقد الأشياء
وظيفتها ،وينغرس الإنسان في الأوحال التي لا الغبار ،غبار الضوضاء ،وغبار الثرثرة ،والصوت
يشعر بقذارتها ،حيث َت َج َّسد السارد في شخص العالي “ويحول الغبار دون وصول ك ِّل أشعة
«سباك» كل تعاملاته مع (الخارج) من الإنسان، الشمس إلى الأرض” .فلا يتبقى للسارد إلا
كفضلات يتخلص منها .ولتترصد الأصابع
-الأسياخ -السارد ،تبرز له من كل ثقب“ ،قرأت البحث عن الضحكة ،حتى وإن كانت “الضحكة
في إحدى الصحف التي أشتريها كي أضع عليها شيء وقتي ،أتركها وأتجه إلى جوارهم”.
الطعام ..إن عد ًدا من الأشخاص باتوا لا يعرفون
ما يقولونه أو يفكرون فيه أو يتبرزونه ،يجهلون وكأن السارد وصل حد اليأس ،وفقدان الأمل،
والاستسلام .وهي النغمة التي يمكن تلمسها في
كثير من قصص المجموعة ،والتي تبدأ بالإهداء،
الذي يعكس أيضا رؤية المجموعة ككل “إلى