Page 60 - merit 46 oct 2022
P. 60
العـدد 46 58
أكتوبر ٢٠٢2
وحدة ،أو فراغ ،أو عدم تواؤم ،مع الحياة من ومآله .الميلاد ،ألم الحياة ،الموت .وهو ما يتضح
حوله .وهو ما نجده مج َّس ًما في هذه القصة من قراءة أولى قصص مجموعة “مألوف”()1
المنغلقة على نفسها .إلا أن كلمات بعينها ،تتردد للقاصة ابتهال الشايب ،والذي يوحيه –العنوان-
في كل المقاطع السردية ،بما يشكل أهمية خاصة من عادية الحياة ،بكل ما تحويه ،وكأنها تكرار
ممل ،أو أنها أصبحت (مألوفة) .ويبلغ المبدع
لها ،مثل «الحقيقة» والتى نجدها في الوحدة نجاحه ،عندما ُي َح ِّم ُل الدهشة للمألوف ،فيصبح
الأولى “يلعب أطفال بالكرة أسفل شرفتي، خل ًقا جدي ًدا ،ويصبح إبدا ًعا ،تفيض دواخله
يصيحون ،يشق صوتهم أذني ،يعبث صوت بالمعاني والرؤى المخبأة ،والتي تؤرق القارئ،
اصطدام الكرة بالأرض بصداع مركون في أحد فتدعوه للمشاركة ،والإيجابية .إلا أن ذلك لا
جوانب رأسي ،تترجرج ،يضاف الصوت إلى يعني أن يكون المن َتج مطابق لل ُمد َخل ،بل على
الحقيقة”“ ،تشعل حرارة الجو الحقيقة” .وفي العكس ،لأن ذلك ُيخرج العمل من دائرة الإبداع،
الوحدة الثانية“ :أغلق قلمي الحبر الفاخر الذي والذي يقوم بالأساس على التخييل .وهو ما
أحب التباهي به أمام الناس متخطيًا الحقيقة”. دعا النظرة التى كانت تقول إن (أشعر الشعر..
وعن النيل “يؤكد بطؤه الحقيقة” .وفي الوحدة أكذبه) وهو بالطبع لا يعني الكذب المعروف
الثالثة“ :أسير في الطرقات مستري ًحا من حرارة اجتماعيًّا ،ولكن المقولة تعني التخيل أو الخلق.
الصيف التي تحبها الحقيقة”. وهو ما نسعى للبحث عنه في “مألوف” ،وصو ًل
وهكذا في باقي الوحدات ،وما نلحظه من ارتباط إلى شعريته ..أدبيته.
يربط بين الشمس ،والحقيقة ،يكشف عنها الجملة
وقد يكون من المفيد أن نبدأ بقراءة القصة
في الوحدة السادسة “الحقيقة أقوى من أي المانحة عنوانها للمجموعة «مألوف» والتي تجمع
شيء” .فالحقيقة إذن واضحة كالشمس ،غير خصائص المجموعة ،وكأنها قرص الشمس الذي
أن الآخرين لا يعترفون بها ،فما كان من السارد
إلا أن يصف نفسه بأنواع مختلفة من الطيور أو يوزع ضوءه ،وحرارته ،على الجميع .وليس
الحيوانات ،مثل“ :أنا كلب غير قادر على النباح”، استخدام قرص الشمس هنا ،نو ًعا من المجاملة،
“أنا وزغ ضعيف ،صوتي مزعج ،أزقزق بصوت أو المبالغة ،وإنما لقرص الشمس في هذه القصة
عال فيشمئژون”“ ،أنا ذبابة دائخة ،اصطدمت
ت ًّوا بأحد المضارب”“ ،لكن صوتي نعيق غراب دور رئيس في كشف ما خبأته الكاتبة وراء
كبير”“ ،صوتي نهيق ،يحاولون إسكاتي”“ ،أنا شكلها المراوغ ،والذي يمتد من هذه القصة
أسد عجوز” .حيث يبدو العجز وسط تيار جارف لعديد من قصص المجموعة .حيث قسمت القصة
من البشر يحيط به ،فيضيع (القصيرة) إلى عدد من الوحدات السردية ،بلغت
صوته ،وتضعف قوته .فلا
يملك -أمام عجزه -إلا أن سب ًعا في هذه القصة ،وهو
يسعى لموت الآخرين “أزرع ما جعل القصة عندها تأخذ
الامتداد الأفقي ،لا الرأسي،
عدة مشانق كافية لهم، بمعنى أنه ليس هناك (حكاية)
ينظرون لي باهتمام ،يتردد
البعض في الإمساك بالمشنقة، ُتحكى ،وتأخذ التسلسل
يمسكها أحدهم ويعطيها لمن التصاعدي ،وإنما هي شرائح
بجواره ،يحاول آخر إزالتها، (مألوفة) أو ُممارسة في الحياة
وكلما أزالها أضع أخرى، التي نحياها ،تجاورت لتمنح
ُيد ِخل بعضهم رأسه بداخلها القارئ (إحسا ًسا) كليًّا -ولا
ويظل ساكنًا ،بعضهم يشنق أقول رؤية أو فكرة -بمعنى
أن القصة تلعب على مشاعر
القارئ ،تنقل له ما يعانيه من