Page 144 - merit 41- may 2022
P. 144

‫العـدد ‪41‬‬  ‫‪142‬‬

                                                    ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬

    ‫لينالوا تأييده‪ ..‬توقف فضل عن قراءة الرسالة‬           ‫هل تتصور لأنهم نصارى؟ يقال إن بونابرته‬
 ‫التي نسخها معل ًقا‪ :‬يقصد هنا المعلم يعقوب‪ ،‬ليس‬       ‫أعلن إسلامه‪ ..‬باع المسيح والصليب حتى يكسب‬

     ‫غيره‪ ،‬هو الوحيد الذي حاز لقب جنرال‪ ..‬وقد‬                                    ‫الأرض»‪( .‬ص‪)30‬‬
  ‫صرح لي بأنه يعتقد أن أي أنواع الحكم في مصر‬              ‫على النقيض من «محبوبة» تتشكل شخصية‬
  ‫أفضل من حكم الترك لها‪ ،‬وأنه انضم للفرنسيين‬         ‫«يعقوب» من الخروج عن المألوف «أعرف يا أبونا‬
                                                       ‫عبد الملك أن الكنيسة لم تكن راضية عن زواجي‬
    ‫تلبية لباعث وطني؛ عله يخفف عن مواطنيه ما‬            ‫بها‪ ،‬ولكنها زوجتي وأم ابنتي‪ ،‬وأوصيك بهما»‬
‫قاسوه» (ص‪ ،)240‬فنكتشف وجود ما يجمع بين‬              ‫(ص‪« ،)61‬ح ًّقا لم يكن يعقوب يشبه ما ألفناه‪ ،‬كان‬
 ‫«محبوبة» و»يعقوب» رغم تباينهما‪ ،‬إنه «الوطن»‪،‬‬            ‫مختل ًفا في زيه وطريقته‪ ،‬ولم يكن رجال الدين‬
                                                      ‫راضين عن هذا‪ ،‬وخاصة البطريرك الذي نصحه‬
      ‫محبوبة تمثل في حبها للوطن عموم أبنائه في‬         ‫عدة مرات بالرجوع عن هذا الطريق‪ ،‬وأن يعيش‬
  ‫سعيهم لاستقراره‪ ،‬بينما يمثل «يعقوب» في حبه‬           ‫كسائر إخوانه‪ ،‬ولكنه لم يستجب وجاوبه جوا ًبا‬
   ‫للوطن المتفردين من أبنائه الذين يستطيعون أن‬        ‫عني ًفا‪ ،‬فغضب البطريرك غضبًا شدي ًدا‪ ،‬ولكن هذا‬
 ‫يحلموا ويخططوا لمستقبل أوطانهم «تبعت يعقوب‬             ‫لم يثن يعقوب» (ص ‪ ،)64‬إذن لم يكن الخروج‬
  ‫لأنني وجدت معه إجابة‪ ،‬أو حتى شبه إجابة عن‬                ‫عن المألوف إلا نتاج التمرد «كم كان يعقوب‬
   ‫سؤال ما كان دائ ًما يؤرقني‪ :‬هل لنا نحن رجال‬       ‫مختل ًفا! ح ًّقا معلم كما أُطلق عليه‪ ،‬مات يعقوب هذا‬
                                                    ‫الصعيدي المتمرد الذي كان صندي ًدا في الحرب‪ ،‬وله‬
     ‫الإكليروس‪ ،‬دور أكثر إيجابية غير اللجوء إلى‬     ‫قلب كالصخر الجلمود» (ص‪ ،)62‬وترتسم ملامحه‬
‫العظات في القداس الإلهي؟ دور يسعى إلى مواجهة‬          ‫عبر المغايرة والاختلاف «جاء المعلم يعقوب‪ ،‬كان‬
                                                          ‫رج ًل ضخ ًما وسي ًما‪ ،‬يرتدي معط ًفا من فراء‬
    ‫البؤس والظلم الهائل‪ ،‬بد ًل من تحملهما أم ًل في‬     ‫الثعالب فوق ملابسه‪ ،‬فيما لف شا ًل من الحرير‬
     ‫الخلاص؟ فتح لي يعقوب با ًبا آخر للخلاص»‪.‬‬        ‫الهندي فوق رأسه‪ .‬لم أفهم مشاعري تجاهه‪ ،‬فهو‬
                                                        ‫ح ًّقا مختلف عن كل من عهدتهم من القبط حتى‬
                                      ‫(ص‪)65‬‬         ‫أكابرهم‪ ،‬يبدو عليه الغرور والتكبر‪ ،‬ولكن بقسمات‬
‫على هذا النحو اتخذت الرواية من المونولوج الداخلي‬    ‫وجهه عزة نفس شديدة‪ ،‬وبنبرة صوته الجبلي قوة‬
                                                        ‫وثبات بإمكانهما إرهاب جبل»‪( .‬ص ‪)28 ،27‬‬
   ‫لشخصياتها‪ ،‬والحوار المتسائل حينًا والمستنكر‬            ‫ومع تتابع أحداث الرواية تتذبذب التصورات‬
    ‫المتعجب حينًا آخر بين الشخصيات‪ ،‬والمفارقة‪،‬‬        ‫بالخيانة وبيع الوطن حيث تمنحنا المعطيات التي‬
  ‫والمواجهة تقنيات فنية ُتخل ِخل من خلالها الثابت‬       ‫يسوقها لنا العالم الروائي إمكانية الوصول إلى‬
  ‫والمستقر من قناعات ورؤى وتصورات بسلاسة‬             ‫نتيجة مغايرة تما ًما‪ ،‬فثمة وجه آخر وزاوية أخرى‬
‫وحكمة‪ ،‬ومن ثم تفتح آفاقا غير محدودة للمراجعة‬            ‫للرؤية تكشف عن وطنية يعقوب وسعيه وراء‬
    ‫وإعادة التفكير والتقبل واكتشاف الوجه الآخر‬         ‫تحقيق أهداف كبرى لوطنه ورغبته في استقلاله‬
 ‫للأمور والبحث عن المسكوت عنه وراء الشعارات‬            ‫«سيدي‪ ..‬أرسل لكم المذكرات المرفقة بكتابي هذا‬
   ‫والقناعات الكبرى حيث لا وجود لحقيقة مؤكدة‬           ‫اعتقا ًدا مني بأنه قد يهم حكومة بلادي أن تعلم‬
  ‫«اكتشفت أنه لا توجد حقيقة مؤكدة‪ ،‬أدركت أننا‬         ‫أشخا ًصا يسمون أنفسهم الوفد المصري يقيمون‬
‫نتبدل بتغير ما نملأ به نفوسنا وعقولنا من أفكار‪،‬‬        ‫في باريس في الوقت الحاضر‪ .‬كان ممن ركب في‬
    ‫أو على الأصح ما يملؤون به نفوسنا وعقولنا‪..‬‬        ‫مصر السفينة بالاس تحت إمرتي رجل قبطي ذو‬
     ‫أدركت أننا نعيش في عالم أجوف بنى تاريخه‬            ‫سمعة حسنة ج ًّدا‪ ،‬وهو من زعماء طائفته‪ ،‬وله‬
‫وقوانينه ومزاياه وعقابه‪ ،‬حتى جواز مروره لعالم‬        ‫فيها نفوذ كبير‪ ،‬وقد منحه الفرنسيون لقب جنرال‬
  ‫ما بعد الموت‪ ،‬على تسميات أوهمنا أنها مسلمات‪،‬‬
   ‫وفي لحظة تمرد عليها أنكرها‪ ،‬وفي لحظة أخرى‬
‫ارتد لها وجدد ولاءه بدون خجل‪ ،‬وكل مرة يطالبنا‬
  ‫أن ننصاع لاختياراته لنا» (ص‪ ،)211 ،210‬كانت‬
   ‫هذه هي الوسائل التي اتخذتها «غيوم فرنسية»‬

                        ‫للكشف عما وراء الغيوم‬
   139   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149