Page 140 - merit 41- may 2022
P. 140
العـدد 41 138
مايو ٢٠٢2
أتيت إلى هنا لأني نصراني .بدأ صوتي يرتفع بين
الهذيان والصراخ :تركت أرضي وزوجتي لأنهم
يقولون لي هناك «اشمل يا نصراني ..انزل من على
البغلة يا نصراني( .»..ص )147عبر هذه المواجهة
الصادمة من هنا من هذه النقطة يفقد «فضل الله»
آخر ما تبقى له من محددات الهوية «بدأت أشعر
باللاشيء ،لا شيء يشبهني ،لا شيء يخصني
هنا ،كل الأشياء غريبة ،لا الأرض التي أخطو عليها
أرضي ،ولا السماء فوقي فيها ربي ،ولا الحضن
الذي ارتميت عليه منذ أيام يحق لي»( .ص )147
لقد اضطربت كل قناعاته؛ تحولت بل تحطمت
رؤاه وأحلامه وتصوراته وتكشف أمامه وجه آخر
تخفيه الغيوم الفرنسية.
كما مثَّل «الدين» عن ًصرا مه ًّما ومحور ًّيا في هذا
العالم الروائي جاء «الوطن» عن ًصرا مركز ًّيا في
الرواية؛ إنه المُش ِكل العميق للصراع بمستوييه
الخارجي التاريخي بما يحويه من أطماع سياسية
وحروب استعمارية ،والفني الذي يدور داخل
شخصيات العالم الروائي وما يلعبه هذا الصراع
من دفع للأحداث واتخاذ لمواقف متعددة من قبل
شخوص الرواية.
هل ثمة وجه آخر لخوض الحرب دفا ًعا عن الوطن؟
«وهل يوجد إنسان لا يعرف ما هي الحرب؟!».
(ص )106على لسان «فضل الله» جاء هذا السؤال
الاستنكاري المتعجب ،الحرب ودوافعها من
الأمور الراسخة المستقرة في الأذهان؛ لتأتي إجابة
«فابيان» القائد الحربي المحنك ُمخل ِخ َل ًة لكل قار
وراسخ ومستقر «أنت تعرف الحرب كما يعرفها
العامة ،قتل ،موت ،دمار ،خراب ،هزيمة ،انتصار،
خسائر ،غنائم .الآن يجب أن تعرفها بشكل آخر،
شكل يخلو من العواطف ،شكل يليق برجل من
رجالها وصانعيها ..الحرب يا فضل من الناحية
المجردة هي عملية بشرية ،الإنسان فيها هو السبب
والهدف ،كما أنه هو الوسيلة والغاية ،والنزاع
ليس نزا ًعا في المطلق بدون تحديد ،ولكنه نزاع
بين مجموعتين ،تحاول إرادة كل منهما القضاء
على الآخر ،أما في الأصل فهي صراع الوجود بين
المصالح الكبرى ،ولكنه لا يس َّوى إلا بالدم ،وهذا
ما يميزها عن أي نزاعات أخرى ،يقولون عنها فن،