Page 138 - merit 41- may 2022
P. 138
العـدد 41 136
مايو ٢٠٢2
تحت قيادة الرجل الذي قتل الفرنسيين بالقنابل، من الأحكام التاريخية التي لحقت بها ،ولا يبقى
هل تعلم أن بونابرت وضع مدافعه في كنيسة سان لها إلا المعالم والظلال الرئيسة التي ُعرفت بها في
هذه الفترة الزمنية ،لتتشكل شخصيات هذا العالم
روش ،وعندما اقترب المتظاهرون أعطى الأوامر
بإطلاق النار عليهم؟ قال جملته الشهيرة ،أطلقوا الروائي وتنمو وتتحول وتتغير مساراتها عبر
النار ،وفي خلال دقائق تحولت الساحة إلى بركة المواجهة -التي تحرص الروائية عليها على مدار
من الدماء ،كان عددهم حوالي عشرين أل ًفا ،كانت
صفحات الرواية من بدايتها إلى نهايتها -هذه
مجزرة بمعنى الكلمة ،أما هو فقد تمت ترقيته المواجهة التي َت ْم ُثل فيها القناعات المستقرة والرؤى
لجنرال ،هل تعلم أنها المرة الأولى في تاريخ فرنسا
أن تطلب الحكومة تدخل الجيش لقمع المتظاهرين؟ المتخيلة والتصورات المسبقة أمام المساءلة التي
كان ذلك باسم الحفاظ على الثورة»( .ص)97 ،96 تكشف عن الوجوه المتعددة الغائمة الغائبة للشيء
يستمر الحوار بين الشخصيتين :القائد الفرنسي
نفسه التي تتكشف بصعوبة عبر الغيوم.
«فابيان» و»فضل الله الزيات» المصري المنضم وقد شملت هذه المواجهة في جرأة وعمق عدة
للجيش الفرنسي في تصاعد يقلب موازين الأمر مستويات حيث الدين ،والسياسة ،والوطن الانتماء
ويكشف عن وجه مغاير وربما صادم يصل ذروته له والدفاع عنه ،الديمقراطية والحريات ،وهذه
مع هذه الجملة العميقة الفارقة التي تأتي على لسان الثنائية الشهيرة (الشرق والغرب) وما يحمله كل
فابيان «التجربة علمتني أن لكل شيء في الحياة، طرف عن الآخر من رؤى وتصورات ،ففي حوار
فابيان القائد الفرنسي المخضرم في ساحة القتال
حتى أكثرها نب ًل ،وج ًها آخر شر ًسا ومدم ًرا» مع فضل الله المصري المنضم للجيش الفرنسي
هذه الجملة المكثفة تفجر ك ًّما هائ ًل من التساؤلات والذي غادر إلى فرنسا محم ًل بالعديد من الأحلام
والتطلعات ما يكشف عن هذه المواجهة وما تحققه
والمراجعات ،و ُتخل ِخل القناعات الكبرى ،وتزيح من أهداف «هل أحببت فرنسا؟ كان سؤا ًل تقليد ًّيا،
الغيوم عما وراء الشعارات. ولكني لم أكن جاه ًزا للإجابة ،أو حتى فكرت
فيها ،ربما لأنني لا أزال هناك في عالمي الذي تركه
الوجه الآخر عنصر مهيمن في هذا العالم الروائي جسدي ولم تتركه روحي .تداركت صمتي ،ونظرت
تتغياه الرواية وتنقب عنه وتسعى لكشفه حتى مع إلى فابيان ،وأجبته :بالطبع نعم .وهل تعرف ح ًّقا ما
هي فرنسا حتى تحبها؟ تلعثمت قلي ًل ،وأدركتني
أشد الأمور ثبا ًتا في حياة الإنسان «الدين» حيث
المسلمات دون جدال أو تفكير أو مراجعة ومناقشة، الإجابة:
المساواة ..الثورة ..الجمهورية ..العدل ..الإخاء.
كان تمرد الشخصيات مسو ًغا فنيًّا للكشف عن
الوجه الآخر ،فعبر تمرد «فضل الله الزيات» بطل كان فابيان مستغر ًقا في
هذه الرواية نستطيع أن نرى الوجه الآخر للمسيح النظر إلى كأسه ،أجابني
في مواجهة الوجه الثابت والمستقر بصوت لا يشبه حيويته:
الحلم ..لقد أحببت الحلم.
الذي تعتنقه «محبوبة» زوجة الحلم الذي أحبه الكثيرون
البطل وتطرحه عليه باستمرار منا ،ك ٌّل بطريقته ،وحاول
«كنت أعلم ما ستقوله لي محبوبة الدفاع عنه ،كل بطريقته».
مسب ًقا ،ستقول ما يقوله كل قبطي
لنفسه منذ مئات السنين؛ «نحن (ص)96 ،95
يأخذ حديث فابيان في
طوال حياتنا نعيش ،والحياة التصاعد ليكشف عن الوجه
تمشي وتمر ونذهب إلى كنائسنا، الآخر لهذه القناعات الكبرى
نتاجر ونتحرك في الأسواق بحرية، «الحلم الذي جعلني أعمل
لا أحد يعترضنا ،لا أحد يهددنا،
وما حدث (عكسة) وستنتهي،
وهذا قدرنا ،نتألم ونتحمل مثلنا