Page 136 - merit 41- may 2022
P. 136
العـدد 41 134
مايو ٢٠٢2
يرون الوشم شك ًل جماليًّا لا دلي ًل على الدين أو يسترجع كلمات مرقص والأنبا يوساب الذي كان
التدين كما أوضحت فرانسواز لفضل الذي شرح يتخيله دائ ًما وكأنه يوبخه «قائ ًل «مائة وخمسون
لها بدوره سبب حرص مسيحيي مصر على دق
عا ًما نرفض الاستجابة لإرساليتهم ،وندافع عن
الصليب «إن الأقباط يدقون الصليب نو ًعا من عقيدتنا بكل ما أوتينا من قوة ،حتى أغلقوا المركز
المقاومة ،وإعلان تمسكهم بمسيحيتهم ،وآخرون
يقولون إن المسيحيين أجبروا على هذا حتى يتم ورحل الرهبان ،هل نسيت عرض لويس الرابع
عشر بتعليم ثلاثة من أبناء القبط على حسابه في
التعرف عليهم» ص.119 باريس؟ ولكن لم يقبل القبط لم يجد الفرنسيون من
وقد استشعرت فرانسواز وشم الصليب على قلب كل الشعب القبطي ثلاثة أفراد يقبلون ،على الرغم
فضل وليس على معصمه فحسب ،ومن ثم أدركت من الفقر والعوز ،وأنت الآن تذهب لهم بقدميك،
أن أفكارها المتحررة من كل تعاليم الكنيسة العتيقة
من شأنها أن تخيفه ،كما يخشى الرجل الاقتراب وتبيت عندهم؟» ص.86 ،85
من المرأة الحرة وإن انبهر بها .وقدمت فرانسواز ولم يكن عبد الملك أقل انتما ًء وتمس ًكا بدينه من
مرقص والأنبا ياسوب ولكنه كان يسعى لدور
نموذ ًجا آخر للتحرر حين تمردت على تعاليم
الكنيسة التي تربط الفضيلة بكبت رغبات الجسد أسمى فيما يرى ،فبدأ بالبحث عن المسيحيين
وقمع شهواته ،ولأن فرانسوز تدرك معنى الحرية المصريين في فرنسا لإقامة القداس لهم ،ثم أنشأ
دافعت عن الفكرة وإن لم تن ِو التعلل بها للتواصل مدرسة لتعليم القبطية ،ثم اضطلع بدور تنويري
مع فضل أو غيره مرة أخرى؛ إذ اعتزلت الحياة شديد الخطورة ،وهو الترجمة وإعادة قراءة التراث
الديني القبطي باحثًا عن جسور التقاء بين مختلف
وانضمت للمتصوفين الكاثوليك.
وشكل الانتماء الديني ،ولو ظاهر ًّيا ،عائ ًقا دون الطوائف .وقد أنار هذا الهدف في عقله ما عانه
إمكانية تحقيق التواصل الكامل ،فقد كان حائ ًل فضل حين أراد الاعتراف والخلاص في إحدى
دون زواج منصور وزهرة التي أرادت أن َي ْع ُبر كنائس فرنسا ،ولكن لم تتقبله الكنيسة واعتبرته
منصور إلى هويتها من خلال نطق الشهادتين غير مسيحي في صدمة لم يتوقعها حين هاجر إلى
ليكون مسل ًما مثلها ،فيحل لها الزواج به ،ولم فرنسا هار ًبا من التمييز الديني ضده في مصر ،وقد
يعنها إطلا ًقا أن يظل الأمر شكليًّا ،فقد سبق أن عبر عن صدمته قائ ًل« :لم يتحمل عقلي ما يقوله
تزوجت رينيه القائد الفرنسي المسيحي بعد نطقه هذا الكاهن ،لم أتحمل سماع كل هذا التشكيك في
الشهادتين ،وهي على يقين بأنه ما زال على دينه، إيماني ،كيف لا أكون مسيحيًّا؟ كيف لا تكون أمي
بل إنه أصر على تعميد ابنهما .وظل مآل علاقة مسيحية ،وهي التي لا تترك القداس أب ًدا؟ والقديس
إثناسيوس ،والأنبا باخوم ،وشفيعي تادرس
زهرة بمنصور مجهو ًل بالنسبة للمتلقي. الشطبي؟ كيف يكون كل هؤلاء كفرة؟» ص.147
على ما سبق يتبدى تضافر عناصر الهوية مع وظل قلبه معذ ًبا ينوء بذنبه حتى قابل عبد الملك
عناصر وتقنيات البناء السردي في علاقة جدلية وساعده على الخلاص قبل أيام قليلة من وفاته في
تثير العديد من الأسئلة الوجودية حول هوية
الإنسان ،وحريته ،وانتماءاته في عالم يتلاعب روسيا.
بالأفكار والمشاعر وتحتدم فيه الصراعات وتتوه وفي حين شكلت الكنيسة الفرنسية خط ًرا كبي ًرا على
الكنيسة القبطية فيما اعتقد مسيحيو مصر لم يكن
الحقائق الفرنسيون مشغولين بذلك على الإطلاق ،فقد ثاروا
فيما ثاروا على الكنيسة وآبائها الذين كانوا سببًا في
قمعهم وإخضاعهم طيلة سنوات من الظلم والقهر،
وكانوا عو ًنا للحكام الظالمين على الشعب المغبون.
وفي الوقت الذي كان المصريون فيه حريصين
على وشم أيديهم بعلامة الصليب كان الفرنسيون