Page 133 - merit 41- may 2022
P. 133

‫مثل شكل الشخصيات تب ًعا‬                               ‫الكتابة والقراءة‪ ،‬وبعض الحساب‪ ،‬وبعض من‬
                                                            ‫اللاهوت‪ ،‬ولا أعتقد أن هناك من الشباب الذين‬
         ‫لما رسمته الكاتبة ملم ًحا‬
       ‫مميًزا لهويتها من ناحية‪،‬‬                               ‫كانوا معي في التدريب من اهتم يو ًما بنقوش‬
                                                                            ‫المعابد وملوكها» ص‪.34 ،33‬‬
  ‫وكاش ًفا عنها من ناحية أخرى‪،‬‬
                                                                  ‫وكما أسرت محبوبة فضل الله بهدوئها‬
      ‫فتعطي ملامح الوجه ولون‬                                    ‫وملامحها المصرية الشرقية الجذابة‪ ،‬كذلك‬
                                                              ‫فعلت معه فرانسواز الكائنة على البر الغربي‬
       ‫البشرة الإشارات الأولى في‬
                                                                  ‫صاحبة الجسد المرمري و»الوجه المنمنم‬
   ‫طريق اكتشاف هوية الإنسان‬                                   ‫المرسوم بدقة‪ ،‬وعلى الرغم من صغر عينيها‪،‬‬
                                                                ‫لكن لونهما الأشبه بلون الخضرة الطازجة‬
   ‫وانتمائه لبلد معين‪ ،‬ثم يؤكد‬
                                                                    ‫يجعلك تشعر أنك في البراح» ص‪.118‬‬
        ‫هذا الانتماء لغته ولكنته‬                              ‫وكما هجر فضل محبوبة بعد ما كان بينهما‪،‬‬
                                                            ‫هجر فرنسواز بعد ليلة قضاها معها أحس على‬
  ‫الحاضرة خلف أي لغة ينطقها‪.‬‬                                  ‫أثرها ذنبًا عظي ًما في حق محبوبة من ناحية‪،‬‬
                                                           ‫وإث ًما يخرجه من الملكوت من ناحية أخرى‪ .‬وإن‬
    ‫المخمل الحريري‪ ،‬أن هذا الرجل الجنوبي بعينيه‬             ‫تعلل فضل في المرة الأولى عند هجرانه لمحبوبة‬
    ‫السوداوين الواسعتين‪ ،‬وهذه الرموش الكثيفة‪،‬‬               ‫بأنه لا يريد أن يخضع للمماليك‪ ،‬ولا أن يسمع‬
     ‫وهذا الشعر الفاحم بتجعيدته الخفيفة المنسقة‪،‬‬        ‫منهم جملة «اشمل يا نصراني‪ ،‬انزل من على البغلة‬
  ‫وهذا الشارب الكثيف والمهذب بعناية على الطريقة‬         ‫يا نصراني»‪ ،‬وتعلل في الثانية عند هجره فرانسواز‬
   ‫الفرنسية‪ ،‬من هناك القريب من القلب البعيد عن‬             ‫بإحساسه بالذنب العظيم تجاه محبوبة وفي حق‬
      ‫العين‪ ،‬هناك الذي تكالب على ذاكرتها في ثوان‬        ‫دينه‪ ،‬فإنه في واقع الأمر لم يرد أن ينتمي إلا لذاته‬
      ‫معدودة‪ ..‬بولاق‪ ،‬ميدان الخرق‪ ،‬الأزبكية‪ ،‬بين‬        ‫ومجده الشخصي‪ ،‬وإن هفت نفسه للتواصل أحيا ًنا‬
                                                        ‫سرعان ما يتخلص من رغباته عائ ًدا للتمحور حول‬
                      ‫السورين‪ )..‬ص‪.197 -196‬‬             ‫ذاته من جديد؛ فقد أغوته حياة المحارب‪ ،‬وأصبحت‬
    ‫إذن فقد مثل شكل الشخصيات تب ًعا لما رسمته‬           ‫ساحات المعارك وطنه الوحيد‪ ،‬فلم تحضر محبوبة‬
    ‫الكاتبة ملم ًحا ممي ًزا لهويتها من ناحية‪ ،‬وكاش ًفا‬
 ‫عنها من ناحية أخرى‪ ،‬فتعطي ملامح الوجه ولون‬                     ‫في عقله إلا ُلا ًما‪ ،‬وحين دفعه شوقه لرؤية‬
   ‫البشرة الإشارات الأولى في طريق اكتشاف هوية‬               ‫فرانسواز سرعان ما تراجع ليكمل مسيره إلى‬
  ‫الإنسان وانتمائه لبلد معين‪ ،‬ثم يؤكد هذا الانتماء‬
‫لغته ولكنته الحاضرة خلف أي لغة ينطقها‪ ،‬وهذا ما‬                             ‫ساحته الفضلى ساحة الحرب‪.‬‬
‫أكد لكل من منصور حنين وزهرة بما لا يدع مكا ًنا‬           ‫وفي بلد غريب لا تخطئ العين من يحملون ملامح‬
                                                           ‫أرضها‪ ،‬فبمجرد أن التقى منصور حنين وزهرة‬
          ‫للشك أنهما ينحدران من الأرض نفسها‪.‬‬
   ‫ولأن منصور وزهرة كانا يبحثان عن الألفة فقد‬              ‫اللذين هجرا مصر على المركب نفسها إلى فرنسا‬
   ‫سعدا كثي ًرا بهذا اللقاء الذي جمع بينهما وتوالت‬          ‫ولم يلتقيا في أثناء الرحلة‪ ،‬أدركا أنهما ينتميان‬
   ‫لقاءاتهما‪ ،‬بينما خشي فضل الله أن تقف بشرته‬            ‫للأرض نفسها تنحفر ملامحها على وجهيهما وفي‬
   ‫السمراء وملامحه المصرية ولكنته العربية حائ ًل‬         ‫لكنتهما «دخلت مدام دو بورجون (زهرة)‪ ..‬وعلى‬
  ‫دون المزيد من أمجاده الشخصية‪ ،‬دون أن يكون‬                  ‫الرغم من التل الذي يغطي وجهها‪ ،‬فإن سمار‬
                                                           ‫بشرة غير معتاد يطل من خلف عقد لولو يحيط‬

                                                                                               ‫برقبتها‪.‬‬
                                                           ‫أدركت مدام دو بورجون‪ ،‬بمجرد دخولها غرفة‬
                                                         ‫الإداري في مكتب الحربية‪ ،‬والذي يرتدي بدلة من‬
   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137   138