Page 132 - merit 41- may 2022
P. 132
العـدد 41 130
مايو ٢٠٢2
وتقهرهم أحيا ًنا ،منحت السلطة النساء الحق في الكائن على شاطئ النهر تمنت لو كان بإمكانها
الطلاق ،بحيث بدا منحة لا استجابة لجهود طويلة الرجوع مرة أخرى إلى مصر وإلى بيت سيدها
من المناضلات النسويات اللاتي بذلن أرواحهن في إبراهيم بك؛ فقد سبب طول الفترة التي قضتها في
سبيل الحصول على أبسط حقوقهن ،ولعل مراجعة مصر اضطرا ًبا بينًّا في هويتها أربكها كثي ًرا حتى
سريعة لتاريخ النضال النسوي في بقاع مختلفة من اعتادت العيش في بلدها؛ فلما عادت إلى صقيع
فرنسا وناءت بحمل مسئولية نفسها؛ إذ كان عليها
العالم كفيلة بإثبات ذلك. أن تبذل مجهو ًدا هائ ًل لتدبر لنفسها طعا ًما ومأوى
وفي اللحظة التي أقرت فيها الحكومة الفرنسية حق شديدي التواضع ،فض ًل عن المسئولية الأعظم
التي وقعت على كاهلها حين أدركت أن عليها أن
النساء في الطلاق ،شعرت مارتين بكامل حريتها تقرر لنفسها ،ولم تكن قد اعتادت في مصر أي
رغم الأغلال التي تقيدها ،إذ تحقق جزء مما ناضلت من هذه الأشياء ،أدركت حينها أن للحرية وج ًها
قاسيًا ،وأنها لم تكن مؤهلة لها وربما ندمت على
من أجله ممثلة الحرية في أصدق صورها أن رحيلها من مصر إلى أن قابلها ألبير حوذي أختها
تكون مستع ًدا أن تبذل نفسك دفا ًعا عن حق غيرك فرانسواز وساعدها على إعادة تأهيل نفسها للعيش
وحريته .ورغم أن جين لم تتفهم تضحية مارتين في المجتمع الفرنسي وألهمتها أخته مارتين أن
في بادئ الأمر ،فإنها استلهمتها في النهاية وعملت يكون لها دور في الحياة الاجتماعية؛ ففي الوقت
مع زوجها على تأسيس مدرسة في باريس لتعليم الذي عانت فيه جين قسوة الحرية عرفت من ألبير
الحرف لأرامل الحرب ،واندمجت جين مع مجتمعها قصة أخته مارتين أو مغنية الأوبرا الشهيرة ماري
وذاع صيتها بعد أن «أسست جمعية ماري فالكور فالكور ،ورأتها بعينيها تسدي ثمنًا هائ ًل دفا ًعا عن
أفكارها؛ فبعد أن نعمت بحياة سعيدة وحققت مج ًدا
الشهيرة للدفاع عن حقوق المرضى العقليين، فنيًّا كبي ًرا وامتلكت ثروة هائلة عو ًضا لها عما عانته
والمطالبة بعدم ربطهم بالسلاسل» ص.260 في تربية أخواتها ،وخاصة ألبير بعد أن طعنت أمها
ولم تشكل الأرض الانتماء والوطن فحسب، نفسها بسكين بعد شهور قليلة من إنجابه نظ ًرا لما
وإنما رسمت ملامح أهلها وحفرت وجوههم قاسته من زوجها في مجتمع يرفض الطلاق ،بدأت
بقسمات معمريها الأوائل ،فنرى محبوبة «ذات مارتين بتجميع أخواتها الذين كانوا قد تفرقوا على
عينين سوداوين لوزيتين ذاتا رموش حادة كثيفة الأقارب بعد موت والدتهم وحرصت على تعليمهم
كستار تغلق به بوابتي الحياة فتنامان مطمئنتين، وتوفير حياة مريحة لهم ،ثم ناضلت وخطبت في
بشرتها حنطية مائلة إلى سمرة مشوبة بصفرة، الميادين وعلى المسارح منادية بحق المرأة في الطلاق،
تعلن تحديها لجبروت الشمس التي لا تستطيع أن وقوبل ذلك بالتنكيل والقمع والاعتقال والحبس
مرا ًرا من قبل السلطة ،لكن الأقسى أن النساء
تهزمها بل تزيدها جما ًل» ص.21 أنفسهن كن يضربنها ويتركنها غارقة في دمائها،
ويصف القائد فابيان فضل الله بطوله وسماره فعادة ما تكون المرأة هي الراعية الأمينة للتقاليد
وملامحه البارزة بأنه «يشبه المصريين القدماء والعادات البالية التي تعاني هي ويلاتها في المقام
الأول ،حتى انتهى بمارتين المطاف في مستشفى
ج ًّدا ،وكأنه الملك المحارب على عجلته الحربية
المنقوش على جدران المعابد» ص.33 الأمراض العقلية مقيدة على كرسي.
ولكن الأفكار لا تمنعها القيود أو الأبواب والنوافذ
وإن انحفرت ملامح المصريين القدماء على وجه
محبوبة وفضل الله ،فإنهما أو أي من معاصريهم الموصدة ،وبعد سنوات من النضال ،وكعادة أي
سلطة قامعة تريد أن تتلاعب بمصائر شعبها َت ُم ُّن
من أبناء البلد الذين غالبًا ما يحملون ملامح عليهم بعطية من عطاياها حينًا لهدف ما وترهبهم
متقاربة لم يعرفوا عن تلك المعابد إلا أنها ملهى
العفاريت والمساخيط كما حكت لهم جداتهم
وأمهاتهم؛ فيقول فضل الله معل ًقا على وصف
فابيان له «لم أكن أعرف وقتها من هو الذي
أشبهه ،فالتعليم الذي تلقيته في الكنيسة على يد
العرفان البصيرين بقلوبهم ،كان يقتصر على