Page 182 - merit 41- may 2022
P. 182

‫العـدد ‪41‬‬                             ‫‪180‬‬

                                ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬                        ‫عنق‪ ،‬ألا يستحق شكسبير‬
                                                               ‫منك ذلك؟ وهذا يعني احترام‬
    ‫ووهم اليقين الموضوعي‬          ‫والتجديد‪ ،‬ولا خروج مبدع‬
    ‫الصلب‪ ،‬فكل دقة مشوبة‬           ‫خ َّلق إلا من خلال الأطر‬        ‫التقاليد‪ ،‬وبالمثل يجب أن‬
  ‫بانفلات‪ ،‬وكل نظام يتخلله‬         ‫والتقاليد والقواعد‪ ،‬وليس‬          ‫نقول أن تذهب لصلاة‬
                                      ‫من خلال نسف الأطر‬
       ‫فوضي‪ ،‬وكل صرامة‬              ‫والقواعد نس ًفا‪ ،‬إذا دميت‬    ‫الجمعة أو أي صلاة فيجب‬
  ‫موضوعية تخترقها شروخ‬                                         ‫عليك أن تتخذ زينتك عند كل‬
                                 ‫يدك فلا يعني أن تقطعها بل‬
   ‫منطقية‪ ،‬وفجوات تخييلية‬          ‫تعالجها‪ ،‬فلا توجد قطيعة‬       ‫مسجد‪ ،‬ألا يستحق المسجد‬
     ‫ومعرفية‪ ،‬فلا توجد أية‬       ‫معرفية وجمالية مطلقة كما‬        ‫منك ذلك؟! فالإطار الثقافي‬
    ‫معرفة مهما كانت درجة‬            ‫وهم كثير من الحداثيين‬        ‫الإدراكي الكامن في الوعي‬
                                    ‫الشكلانيين اللاتاريخيين‬     ‫واللاوعي الأوربي هو الذي‬
‫دقتها وموضوعيتها وعلميتها‬
     ‫ومعياريتها غير مثقوبة‬       ‫العرب‪ ،‬فهذا وهم كبير‪ .‬إذن‬          ‫يجعله يدرك أن الذهاب‬
                                 ‫هذه مغالطة منطقية وعقلية‬         ‫لحضور حفلة شكسبيرية‬
   ‫بتراب التاريخ‪ ،‬ومؤرضنة‬        ‫قبل أن تكون مغالطة دينية‪.‬‬       ‫دون رباط عنق يعد إخلا ًل‬
    ‫بنسبية الوعي‪ ،‬وضبابية‬                                      ‫للهيبة وإهدا ًرا للجلال‪ ،‬فلماذا‬
 ‫الغموض الوجودي التعددي‬            ‫للأسف كنت حينها أجهل‬         ‫يقر الغربي ذلك ويستخذي‬
  ‫الشفاف للحقيقة‪ ،‬ومن ثمة‬         ‫نفسي بشكل فاضح لأنني‬
  ‫فإن كل معرفة تولد مفندة‪،‬‬                                                    ‫منه العربى؟‬
    ‫وتموت مفندة‪ .‬إلا الوعي‬          ‫أدركت متأخ ًرا أن العالم‬      ‫إن الملابس هنا تتخلي عن‬
 ‫الجمالي النقدي الخلاق‪ ،‬فهو‬     ‫الذي نعيش فيه بكل حمولاته‬
   ‫قرين طفولة الحياة الحية‬                                           ‫كونها مجرد قطعة من‬
  ‫المتجددة‪ .‬إن شغفي بقراءة‬              ‫المعرفية والاجتماعية‬   ‫القماش المادي المحض يتستر‬
 ‫النظريات والكتب علمني فن‬         ‫والفلسفية والمنهجية إن هو‬
   ‫العدم‪ ،‬بمعني أنه رسخ في‬                                       ‫بها الجسد؛ لتصبح أيقونة‬
    ‫روحي الإحساس العميق‬             ‫إلا منظورات لا نظريات‪،‬‬          ‫رمزية ثقافية وأخلاقية‬
   ‫بفناء كل شىء‪ ،‬فكم فكرة‬         ‫العلم اختلالات سارية طي‬             ‫وأيديولوجية بامتياز‪.‬‬
  ‫ولدت عفية باذخة ثم ماتت‬       ‫انسجامات راسخة‪ ،‬مفارقات‬             ‫فاللباس هنا لغة وهوية‬
 ‫وواراها التراب‪ ،‬وكم نظرية‬                                           ‫ورؤية للعالم‪ .‬وبالتالي‬
     ‫ولدت شابة جموحة ثم‬             ‫خلال تطابقات‪ ،‬العالم لا‬         ‫يتحول الجسد إلى فكرة‬
‫دفنها الزمن‪ ،‬وكم من نظرية‬           ‫تنفصل فيه إرادة المعرفة‬
  ‫استحدثت وصالت وجالت‬                ‫عن إرادة الحياة‪ .‬الحياة‬   ‫ثقافية أكثر منه كتلة من لحم‬
 ‫ثم امحت كما تمحي فقاقيع‬          ‫شفرة سرية تتراءى كحلم‬        ‫ودم‪ ،‬فنحن لا ندرك ملابسنا‬
 ‫الزبد من فوق سطوح الموج‬            ‫ولا تتمنطق أب ًدا بصورة‬     ‫وأجسادنا إلا من خلال أطر‬
‫الملتطم فكأنها وكأنهم أحلام‪،‬‬
   ‫وكم من مذاهب سادت ثم‬              ‫حاسمة‪ ،‬لا يوجد شيء‬          ‫إدراكنا الثقافي والاجتماعي‬
     ‫بادت‪ ،‬وكم من فكر كان‬           ‫مطلق فوق الأرض‪ ،‬وإذا‬                         ‫والقيمي‪.‬‬
    ‫سائ ًدا مجلج ًل مقبو ًل ثم‬     ‫كان لا يوجد شيء مطلق‬
 ‫صار خافتًا مرفو ًضا! فلماذا‬    ‫ولا كامل منذ اللحظة الأولي‪،‬‬      ‫ثانيًا‪ :‬لا توجد حرية مطلقة‬
 ‫الثبات والتقديس والارتهان‬         ‫انتفت عن أدواتنا المعرفية‬     ‫في أي أمر من أمور حياتنا‬
                                ‫ونماذجنا الفلسفية والجمالية‬
                 ‫والذوبان؟!‬        ‫والتاريخية فكرة الإطلاق‬           ‫البشرية‪ ،‬بل كل شىء‬
       ‫ولذلك كنت أعجب كل‬           ‫والثبات واليقين‪ ،‬وبالتالي‬       ‫في الحياة مرتبط بقواعد‬
‫العجب من الحوارات النظرية‬         ‫تنتفي أوهام فكرية كثيرة‪،‬‬       ‫وأصول وحدود‪ ،‬والمهم ألا‬
                                    ‫مثل وهم المعرفة الخالية‬    ‫نحذو هذه القواعد والأصول‬
                                 ‫من الشروخ المنطقية‪ ،‬ووهم‬         ‫حذو القذة للقذة‪ ،‬بل لا بد‬
                                    ‫التعميم العلمي الصارم‪،‬‬          ‫من خرقها حتى نتمكن‬
                                                                     ‫من الابتكار والتجريب‬
   177   178   179   180   181   182   183   184   185   186   187