Page 183 - merit 41- may 2022
P. 183

‫‪181‬‬           ‫الملف الثقـافي‬

‫توفيق الحكيم‬  ‫ت‪.‬إس إليوت‬        ‫إميل دوركايم‬                    ‫والثقافية العنيفة التي كانت‬
                                                                     ‫تمارس حول النظريات‬
     ‫التراب والتاريخ بقداسة‬      ‫كل من يخل بنظامها العتيد‪،‬‬           ‫النقدية والفلسفية بين‬
    ‫مطلقات السماء؟ هل ثمة‬        ‫حتى كان كثير من أساتذتنا‬
  ‫شىء مقدس كان راسبًا في‬        ‫يصفوننا بالجهل إن خفي عنا‬        ‫أساتذتي في سني الجامعية‬
  ‫نفوسهم وعقولهم فتسرب‬          ‫شىء ولو بسيط من دقائقها‪،‬‬         ‫الأولى‪ ،‬وما هي من الحوار‬
   ‫خفية منهم إلى تصوراتهم‬        ‫وكنت أحس بالضيق العميق‬            ‫العلمي الرصين المنتج في‬
‫ونظرياتهم؟ هل كانوا يعانون‬                                      ‫شىء!! فكأن كل أستاذ كان‬
‫من غربة نفسية أو اجتماعية‬           ‫منهم ومن الطلاب الذين‬         ‫يمتلك حق الوكالة الأبدية‬
  ‫فاستعاضوا عنها بالانتماء‬       ‫يطيعونهم حذو النعل للنعل‪،‬‬        ‫في الدفاع عن نظريته‪ ،‬هل‬
     ‫المطلق المقدس للنظريات‬      ‫هل نحن أمام قدس الأقداس‬       ‫كانوا ُم َّلك نظريات أم طلاب‬
  ‫والمناهج؟ أظن أن الموضوع‬       ‫لا يأتيه الباطل من بين يديه‬
    ‫كان أخطر وأوغل وأعمق‬         ‫ولا من خلفه؟! الشىء الذي‬          ‫حياة؟ كانت النظرية عند‬
    ‫من مجرد الدفاع العلمي‬                                           ‫معظم الأساتذة أغلي من‬
  ‫البريء المستميت عن العلم‬        ‫كان يلفتني للغاية هو عدم‬      ‫الواقع الذي جاءت من أجله‪،‬‬
                                   ‫الاستعداد النفسي والعقلي‬       ‫فانقلبت المعادلة‪ ،‬فوضعت‬
                ‫والنظريات‪.‬‬        ‫لكثير من الأساتذة للسماح‬      ‫النظريات أمام الواقع لتعطله‬
‫ثالثًا‪ :‬لايتم تجديد ولا ابتكار‬                                       ‫ولم يوضع الواقع أمام‬
  ‫حقيقيين إلا من خلال رؤيا‬           ‫ببعض الخلل في النظام‪،‬‬      ‫النظرية ليناورها ويحاورها‬
                                 ‫بعض الحرية حتى لو كانت‬           ‫ويخترقها ويتجاوزها‪ ،‬إن‬
     ‫خاصة متفردة‪ ،‬وهذه لا‬        ‫مغلوطة‪ ،‬بعض الهواء القليل‬         ‫النظريات العلمية أيا كان‬
     ‫تتوفر إلا من خلال قلق‬        ‫داخل حجرات العلم المكيفة‬     ‫تخصصها العلمي ومقاصدها‬
     ‫الاتصال وليس طمأنينة‬                                       ‫الفكرية والإنسانية ما خلقت‬
    ‫الاتصال بالموروث سواء‬              ‫المغلقة‪ ،‬ما هذا التيبس‬      ‫إلا لتخترق‪ ،‬وتكون هد ًفا‬
                                    ‫والتطهر والتقديس؟! هل‬      ‫للرماة العلميين الدهاة المكرة‪،‬‬
           ‫العربي والغربي‪.‬‬        ‫استعاض الأساتذة والنقاد‬         ‫فإما أن تصمد فينتفع بها‬
                                    ‫عندنا عن دناسة ونسبية‬      ‫الناس‪ ،‬وإما أن تتلاشي أمام‬
                                                               ‫التحديث والتجديد كالفقاقيع‬
                                                                 ‫فتزول ثم ينتفع الناس بما‬
                                                                  ‫تبقي منها ملتحما بغيرها‪،‬‬
                                                                 ‫أما أن يحرص الأستاذ على‬
                                                                 ‫النظرية حرصه على الحياة‬
                                                               ‫فهذا حمق وضيق أفق وأثرة‬
                                                                 ‫نفس وتناقض فكري‪ .‬كان‬
                                                                 ‫يرعبني وأنا طلب بالجامعة‬
                                                                ‫هذا التحنث الشديد من كثير‬
                                                                  ‫من الأساتذة والمبدعين في‬
                                                                ‫الدفاع المستميت عن الصور‬
                                                               ‫الثقافية الإدراكية في عقولهم‪،‬‬
                                                                ‫وعبادتهم النظريات والدفاع‬
                                                               ‫المستميت عنها والتطاول على‬
   178   179   180   181   182   183   184   185   186   187   188