Page 188 - merit 41- may 2022
P. 188

‫العـدد ‪41‬‬                            ‫‪186‬‬

                                  ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬                          ‫مفاجئ وتفتت في المسار‬
                                                                   ‫وتخثر في البناء‪ ،‬وانخلاع‬
  ‫حي أصيل قسمة مشتركة‬                ‫بصدد حكمه على المفكرين‬         ‫عن جدر التاريخ وأسيجة‬
  ‫بين الفهم والتغيير‪ ،‬الواقع‬            ‫الإنجليز‪« :‬إن الإنجليز‬       ‫اللغة ومقتضيات الواقع‪.‬‬
  ‫والأمل‪ ،‬لكن ما حدث عندنا‬                                       ‫فهل استطاع هؤلاء المفكرون‬
   ‫كان شيئًا مختل ًفا‪ .‬للأسف‬        ‫يحجمون عن تتبع أفكارهم‬           ‫أن يخرجوني من أزمتي‬
                                   ‫إلى نتائجها القصيات»‪ ،‬فهل‬     ‫عندما فكروا في مخرج لأزمة‬
        ‫كانت معظم نظرياتنا‬        ‫هذه صفة معظم المفكرين في‬         ‫النهوض العربي‪ .‬أم كانوا‬
 ‫العلمية وتصوراتنا الجمالية‬          ‫جميع أنحاء الدنيا؟ أم هي‬     ‫عو ًنا على التفتت والتشرذم‬
                                   ‫صفة ملازمة للمفكر العربي‬        ‫والإقصاء والاستخذاء من‬
      ‫والمعرفية واهمة زائفة‬        ‫وحده الذي يخشي في غياب‬            ‫الأنا والذوبان في الآخر‪،‬‬
   ‫تتبلور في تراكم المعلومات‬       ‫قيم الحرية والديمقراطية في‬        ‫كأنهم مستشرقون أكثر‬
                                  ‫بلاده من مواصلة فكره الحر‬        ‫ملكية من الملك نفسه؟! أنا‬
       ‫والتصورات بعي ًدا عن‬                                        ‫مع العقل حتى النهاية على‬
    ‫تكييفها الجدلي التاريخي‬           ‫حتى نهايته‪ ،‬حتى لا يقع‬      ‫طريقة ابن رشد‪ ،‬لكنني مع‬
‫لتغيير اللغة والثقافة والحياة‪،‬‬     ‫فيما لا تحمد عقباه! لذا يقع‬     ‫الغزالي أي ًضا عندما تنتهي‬
    ‫فبعدت الشقة بين النص‬          ‫الكثيرون من مفكرينا ضحية‬         ‫أقصي حدود العقل‪ ،‬حيث‬
    ‫والواقع‪ ،‬اللغة والتاريخ‪،‬‬                                       ‫تبدأ أول مشارف التخييل‬
   ‫بعد أن تم خلع الواقع عن‬            ‫الخوف والوهم والتبرير‬         ‫والخلق والروح بحثًا عن‬
    ‫واقعيته وزرع النظريات‬         ‫وعدم الوعي العميق بالواقع‪.‬‬         ‫عقل جديد‪ .‬ثلاثة أجنحة‬
      ‫بد ًل منه‪ ،‬فعلا منسوب‬       ‫لذا تجد جل مفكرينا يعتادهم‬        ‫أزلية لا ترتقي المجتمعات‬
 ‫الكلمات على حساب منسوب‬
  ‫الواقع‪ .‬فانفصلت اللغة عن‬             ‫وهم القدرة على التفكير‬           ‫والثقافات والنظريات‬
   ‫الشىء‪ ،‬واضمحلت القدرة‬            ‫والرغبة العميقة في التبرير‬   ‫بدونها‪ ،‬مع احتفاظ كل ثقافة‬
   ‫على رؤية الواقع التاريخي‬        ‫لا التفسير‪ ،‬مفتقدين القدرة‬
 ‫الفعلي والتنظير والرؤية من‬        ‫على الإصغاء العميق لأسئلة‬         ‫بخصوصيتها العقلانية‪:‬‬
   ‫خلاله‪ ،‬أصبح النص بدي ًل‬           ‫ومتطلبات واقعنا وهويتنا‬       ‫جناح العقل وجناح الواقع‬
  ‫عن الواقع‪ ،‬والنظرية بديلة‬                                        ‫وجناح الإيمان‪ .‬وإن معظم‬
 ‫عن موضوع الدرس‪ ،‬بحجة‬                   ‫وديينا وقيمنا وتراثنا‪.‬‬   ‫انقلابات المفكرين العرب على‬
‫العلم والموضوعية والمنهجية‪،‬‬         ‫في الحقيقة لا إبداع ولا نقد‬    ‫تصوراتهم الماضية بأخرة‬
    ‫كأن حياتنا الفعلية ظلال‬
    ‫كهوف أفلاطون‪ ،‬حجبتنا‬               ‫جاد أصيل ولا بناء حي‬          ‫من حياتهم لم تفسر لنا‬
     ‫ظلال النظريات وكهفية‬            ‫خلاق دون أن يكون ناب ًعا‬     ‫بصورة موضوعية عقلانية‬
  ‫الأفكار ومثالية التصورات‬        ‫من شرطه الإنساني الخاص‪،‬‬         ‫مقنعة حركة فكر المفكر بين‬
 ‫عن المثول في حضرة صلابة‬
     ‫التاريخ وحسيَّات جسد‬              ‫ومراعاة حركة التاريخ‬          ‫الإقدام والتراجع‪ ،‬فلماذا‬
 ‫الدنيا‪ .‬فاتسعت المسافة بين‬       ‫ومعاناة الواقع‪ ،‬والاندغام في‬    ‫أحجموا عن تتبع ومواصلة‬
  ‫ما نسقطه على الواقع وبين‬                                          ‫أفكارهم التي دافعوا عنها‬
  ‫الواقع نفسه‪ ،‬فلم نعد نراه‬         ‫روح وتصورات الجماليات‬          ‫طوال حياتهم بضراوة إن‬
  ‫إلا أشبا ًحا وكهو ًفا وظلا ًل‪،‬‬   ‫العربية المتوارثة لتجاوزها‪،‬‬    ‫كانوا مؤمنين بها ح ًّقا حتى‬

      ‫انزرعت الغيبوبة محل‬            ‫فلا يوجد تنظير تجريدي‬          ‫تصل إلى أقصي منتهاها؟‬
  ‫اليقظة‪ .‬كانت الأمور تسير‬         ‫خالص هكذا خارج متطلبات‬        ‫وهنا ينطبق عليهم ما قال به‬
 ‫صوب تغييب الروح والعقل‬             ‫التاريخ ومقتضيات الواقع‪،‬‬      ‫الفيلسوف الألماني (نيتشه)‬
 ‫وهدر الذات وطمس الحرية‬             ‫بل لا بد حتى يستحق هذه‬

                                      ‫التسمية العلمية أن يكون‬
                                  ‫ناب ًعا من لحم التاريخ وعظم‬

                                    ‫الواقع‪ ،‬قاد ًرا على التحريك‬
                                   ‫والتغيير ودفع عجلة الحياة‬
                                    ‫واللغة والثقافة‪ .‬فكل إبداع‬
   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193