Page 190 - merit 41- may 2022
P. 190

‫العـدد ‪41‬‬                               ‫‪188‬‬

                                ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬                          ‫وسوف نتعرف على أشكال‬
                                                                 ‫الوهم الراسخة داخل أشكال‬
    ‫والسياسية والاجتماعية‬       ‫يعرفون‪ ،‬أو لا يتوهمون حين‬
     ‫والجمالية المسؤولة عن‬        ‫يوقنون‪ ،‬أو لا يشكون فيما‬           ‫الحقائق القائمة السائدة‬
    ‫تخلفنا تقع إما في واقعنا‬     ‫يعرفون وما لا يعرفون‪ ،‬بل‬              ‫والتي سلمنا بها كأنها‬
 ‫الديني المغلق‪ ،‬وإما في تعلقنا‬                                         ‫بدهيات قبلية راسخة‪.‬‬
    ‫بموروثنا الثقافي العربي‬     ‫نحن ملتبسون بجهلنا وقمعنا‬
   ‫الجامد‪ ،‬وإما في انتصارنا‬     ‫وشهواتنا وأهوائنا ونسياننا‬       ‫المثقف العالق ومشكلة‬
‫للغزالي على حساب ابن رشد‪،‬‬         ‫وعلومنا دفعة واحدة‪ ،‬نحن‬            ‫الوهم العلمى‬
    ‫أو لابن رشد على حساب‬
    ‫الغزالي‪ ،‬أو في انغلاقنا في‬    ‫مخلوقات معجونة بالتذكر‬             ‫الحقيقة أن مشكلة الوهم‬
  ‫العقل القبلي العربي القديم‪،‬‬    ‫والنسيان والمعرفة والخوف‬              ‫مشكلة كبيرة في الفكر‬
 ‫أو في غياب العقل التجريبي‬       ‫والوهم دفعة واحدة‪ ،‬فعلمنا‬
‫السببي وتغول العقل الخرافي‬      ‫لا ينفصل عن جهلنا‪ ،‬ويقيننا‬        ‫الإنساني بصورة عامة وفي‬
    ‫اللاسببي‪ ،‬وتناسوا أنهم‬       ‫لا ينفك عن ريبتنا‪ ،‬ومطلقنا‬          ‫ثقافتنا العربية المعاصرة‬
‫بهذه الطريقة يمزقون الحالة‬        ‫منسوج بمحدوديتنا‪ ،‬إرادة‬
    ‫العربية الكلية المعقدة إلى‬                                    ‫بصورة خاصة‪ ،‬فهي تتخلل‬
‫جزر فكرية وثقافية اختزالية‬         ‫المعرفة لا تنفصل أبدا عن‬         ‫العقل الإنساني برمته من‬
    ‫انعزالية‪ ،‬فلا حاضر حي‬           ‫إرادة الحياة‪ ،‬بوضوحها‬          ‫جميع نواحيه أد ًبا وفلسفة‬
 ‫بدون ما ٍض حي‪ ،‬بل حيوية‬          ‫وغموضها وتاريخيتها‪ ،‬فلا‬           ‫وتربية وسياسة وسلو ًكا‪،‬‬
  ‫الحاضر هي التي تستدعي‬         ‫توجد نظرية علمية‪ ،‬أو قانون‬          ‫نحن نعتقد اعتقا ًدا وهميًّا‬
    ‫حيوية الماضي‪ ،‬ولا يحيا‬       ‫فقهي‪ ،‬أو قاعدة دستورية لا‬
     ‫برهان ابن رشد بمعزل‬          ‫يأتيها الباطل من بين يديها‬     ‫بأن عقولنا التاريخية النسبية‬
    ‫عن عرفانية الغزالي‪ ،‬كما‬      ‫ولا من خلفها‪ ،‬بل كل نظرية‬        ‫متطابقة مع الحقيقة المجردة‬
   ‫لا يمكننا أن نتغاضي عن‬       ‫علمية أسسها العقل ذات يوم‬
  ‫العقل الخرافي اللاسببي في‬       ‫وحصنها بالمنطق دار عليها‬            ‫المطلقة‪ ،‬فنقفز إلى الأمام‬
    ‫مواجهة العقل النجريبي‬        ‫الزمان بفكره وجدله ورجله‬        ‫شكليا خارج أطرنا التاريخية‬
 ‫السببي‪ ،‬فكلاهما متداخلان‬       ‫وخيله فنفاها العقل أو أنكرها‬     ‫والثقافية والقيمية‪ .‬وهو وهم‬
‫متجادلان‪ ،‬فكل عقل بقدر ما‬           ‫أو عدلها وحورها المنطق‬
‫يعقل بقدر ما يشعر ويتخيل‪،‬‬         ‫أي ًضا‪ .‬فما هو مفهوم العقل‬         ‫مرجعه إلى ثقافة التسلط‬
  ‫فلا تنفك عقلانية عن وهم‪،‬‬                                          ‫المحيط بنا جمي ًعا‪ ،‬السلطة‬
  ‫ولا ينفك وهم عن عقلانية‪،‬‬                          ‫أصلا؟!‬
   ‫ولا استنهاض ولا نهضة‬              ‫الحقيقة لا توجد حقيقة‬            ‫في كل مكان تتسلط على‬
    ‫بتغييب الهوية الدينية أو‬       ‫نهضوية حضارية جاهزة‬               ‫عقولنا وأفكارنا وحريتنا‬
    ‫الهوية القبلية العربية‪ ،‬أو‬   ‫مسب ًقا‪ ،‬ولا معنًي ساب ًقا‪ ،‬بل‬     ‫ومقدراتنا ولغتنا وخيالنا‪،‬‬
   ‫تغييب الغزالي لصالح ابن‬         ‫نحن الذين نصنع الحقيقة‬        ‫فتوهمنا بأننا أعلى وأكبر من‬
   ‫رشد او ابن رشد لصالح‬            ‫والمعني‪ ،‬الحقيقة تكمن في‬      ‫كل شيء‪ ،‬وأننا صرنا بمأمن‬
  ‫الغزالي‪ ،‬بل كل هذه الجزر‬           ‫الإصاخة الدنيوية الحية‬       ‫من سجونها الرمزية العامة‬
      ‫العربية التاريخية التي‬       ‫لشروط وضعنا الإنساني‬          ‫الكابحة التي تحاول تدجيننا‬
    ‫مزقها المفكرون وأقصوا‬        ‫التاريخي‪ ،‬ثم مساءلة مجمل‬
       ‫بعضها عن بعض هي‬          ‫المعايير التي بنت الحقيقة فيه‬         ‫داخل رموزها وأفعالها‬
                                ‫حتى يتسني لنا أن نراها‪ :‬هل‬             ‫السياسية والاجتماعية‬
                                   ‫كانت حقيقة فع ًل أم كانت‬       ‫والاقتصادية‪ ،‬ح ًّقا إن البشر‬
                                ‫وه ًما كبي ًرا؟ لقد توهم معظم‬         ‫جمي ًعا يثقون في المعرفة‬
                                  ‫مثقفينا أن حقيقتنا الثقافية‬      ‫والعلم‪ ،‬ولكن البشر جمي ًعا‬
                                                                    ‫أي ًضا ليسوا على يقين تام‬
                                                                       ‫بأنهم لا يخطئون فيما‬
   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195