Page 194 - merit 41- may 2022
P. 194

‫العـدد ‪41‬‬                                  ‫‪192‬‬

                                 ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬                               ‫الواقع الخام في فجاجته‬
                                                                       ‫الأولي دون تأمل أو فحص‬
‫الفارغ‪ ،‬خارج أنساق التاريخ‬          ‫الواقع حركات والتواءات‬              ‫أو خلق‪ ،‬بينما الفعالية أن‬
         ‫ومقتضيات الواقع‪.‬‬               ‫واختفاءات وظهورات‬               ‫أعيش واقعي الفعلي الآني‬
                                                                     ‫نظ ًرا وممارسة وأم ًل وتنب ًؤا‬
       ‫إن أي معرفة تمارس‬         ‫وتطابقات ومفارقات‪ ،‬الواقع‬
 ‫خطاباتها المنهجية والمعرفية‬          ‫جينيالوجيا حية معقدة‬              ‫واستشرا ًفا دفعة واحدة‪.‬‬
‫بعي ًدا عن شروطها التاريخية‬                                                ‫فليس معني أن نعيش‬
                                   ‫تتحرك طبقاتها وفق منطق‬
      ‫والاجتماعية والثقافية‬         ‫الحياة لا منطق النظريات‪،‬‬             ‫الواقع أن تتطابق عقولنا‬
    ‫المحيطة بها؛ تقع في كثير‬                                           ‫وأفكارنا مع الواقع تطاب ًقا‬
     ‫من الفوضي والتناقض‬               ‫ولذلك لن تتمكن حركة‬               ‫تا ًّما‪ ،‬فالواقع ليس قانو ًنا‬
    ‫والازدواج‪ ،‬مما يستتبعه‬            ‫فكرية واحدة أو نظرية‬
                                       ‫محددة من استنضاب‬                  ‫حت ًما ملز ًما‪ ،‬ح ًّقا إن فهم‬
      ‫بالضرورة عدم اتساق‬           ‫حركة الواقع‪ ،‬لذلك كان لا‬           ‫حركة الواقع يجب أن تكون‬
       ‫المقولات بالممارسات‪،‬‬        ‫بد من توظيف آفاق فكرية‬            ‫الشرط الإنساني والوجودي‬
                                    ‫وثقافية وجمالية وتربوية‬
 ‫وربما ينطبق هذا على جميع‬             ‫معقدة متداخلة للارتقاء‬            ‫الضروري الأول في الفهم‬
   ‫أشكال الخطابات والرموز‬           ‫بنشاط الفكر عامة والفكر‬            ‫والوعي والممارسة‪ ،‬لكن لا‬
      ‫والتصورات في الحياة‬          ‫النقدي خاصة‪ ،‬وتب ًعا لذلك‬          ‫يعني ذلك أن نرتبط بالواقع‬
     ‫العربية‪ .‬وللأسف نحن‬          ‫يجب أن تتعدد صور العقل‪،‬‬
   ‫لا نجرد فكرنا من واقعنا‬       ‫فهناك العقل النظري المشتبك‬              ‫ارتبا ًطا مطل ًقا لا قلق فيه‬
     ‫العربي‪ ،‬بل نفرض على‬            ‫بالعقل التطبيقي وكلاهما‬            ‫أو نقد أو تفكيك أو تركيب‬
  ‫واقعنا الخاص أفكار غيرنا‬           ‫يلتحم بالعقل الإجرائي‪،‬‬            ‫أو استشراف‪ ،‬بل يجب أن‬
 ‫قه ًرا وقس ًرا‪ .‬ومن هنا غاب‬     ‫والتلاحم الجدلي العميق عبر‬             ‫نعي الواقع وعيًا تاريخيًّا‬
     ‫عن العقل العربي العقل‬          ‫العقول الثلاثة ينتج العقل‬           ‫جدليًّا مفتو ًحا‪ ،‬فالواقع لا‬
                                   ‫البيني الكامن الذي يتخلق‬          ‫يساوي نفسه بصورة أبدية‪،‬‬
‫النظري الخلاق‪ ،‬ووقع أسير‬            ‫هناك على تخوم النظريات‬             ‫كما أن تصوراتنا وأفكارنا‬
  ‫عقول نظرية غيرية مزيفة‪،‬‬           ‫ونهايات التصورات‪ ،‬وهو‬
  ‫فلا أصبحنا أنفسنا العربية‬         ‫المولِّد ح ًّقا للعقل المستقبلي‬         ‫عن الواقع لا تساوي‬
      ‫بحق‪ ،‬ولاصرنا جوه ًرا‬          ‫الكامن في العقل التاريخي‬              ‫الواقع بالضرورة حتى‬
   ‫للآخر الغربي‪ ،‬بل تحولنا‬           ‫الواقعي الكائن‪ .‬إن الفكر‬           ‫وإن انطلقت منه‪ ،‬فالواقع‬
                                     ‫المبدع الخلاق لا يحتمي‬               ‫هو تعدد تزامني كثيف‬
‫صو ًرا شبحية وظلا ًل وهمية‬          ‫بقوقعة النظريات‪ ،‬بل هو‬              ‫للآني‪ ،‬وامتداد معقد حي‬
    ‫مثلنا مثل المنبت لا أر ًضا‬   ‫الذي يعرض نفسه باستمرار‬                ‫للماضي‪ ،‬ونبوءة مفتوحة‬
                                     ‫للهواء الطلق للحرية بما‬           ‫مستشرفة للمستقبل‪ ،‬وهذا‬
 ‫قطع ولا ظه ًرا أبقي‪ .‬وبكلمة‬     ‫يعني التعرض لقوة مباغتات‬               ‫يعني ضرورة تعدد الفكر‬
 ‫واحدة كنا في حياتنا العربية‬        ‫الواقع‪ ،‬والالتحام بحيوية‬         ‫حال اشتباكه الجدلي بالواقع‪،‬‬
                                 ‫مطالب التاريخ‪ ،‬فالفكر الحر‬             ‫تمهي ًدا لتغيير هذا الواقع‪،‬‬
    ‫لا نعيش حوا ًرا ثقافيًّا أو‬    ‫الخلاق لا ينغلق على نفسه‬               ‫وبالتالي ضرورة تغيير‬
     ‫جد ًل معرفيًّا وحضار ًّيا‬    ‫ولا يحمي نفسه في أقفاصه‬                ‫أحكام الفكر الصادر عن‬
‫مقار ًنا بيننا وبين الغرب كما‬        ‫الفكرية المجردة معتص ًما‬            ‫هذا الواقع‪ .‬والواقع ليس‬
   ‫كان يدعي معظم مثقفينا‪،‬‬        ‫بنرجسته الذاتيه المغلقة تحت‬           ‫حركة ملساء مستقيمة‪ ،‬بل‬
 ‫بل كنا نعيش وجو ًدا مقار ًنا‬        ‫دعاوي التحديث الشكلي‬               ‫هو تعدد وجدل وتناقض‬
   ‫إن صح التعبير‪ ،‬وما أبعد‬
    ‫الشقة بين أن نحيا حياة‬                                                  ‫وتداخل واستشراف‪،‬‬
‫ثقافية مقارنة وبين أن نعيش‬
   ‫وجو ًدا مقارنا‪ ،‬ففي حياة‬
  ‫الوجود المقارن أنت مرتهن‬
   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199