Page 197 - merit 41- may 2022
P. 197

‫‪195‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

     ‫أيديولوجي مغلق‪ ،‬سواء‬          ‫حسنات الحداثيين سيئات‬       ‫للعداء بين حرية الفن وقواعد‬
 ‫داخل حدود الأنا الخاصة أو‬                        ‫المتدينين‪.‬‬     ‫الدين‪ ،‬مع استعلاء وغرور‬
 ‫الأنا الرمزية النسقية العامة‪،‬‬                                    ‫المثقف‪ ،‬مع تبعيته الغربية‬
 ‫ودون الذوبان أي ًضا في وهم‬         ‫لقد اكتشفت في دراستي‬
                                      ‫الجامعية وبين الفنانين‬   ‫لنفس التيار اللاديني الرافض‬
    ‫المعرفة الإنسانية الكونية‬   ‫والكتاب هذا الخصام الجمالي‬      ‫للكنيسة في الثقافة الأوربية‪.‬‬
‫المطلقة لدي الآخر‪ ،‬إن التحرر‬     ‫والانفصال المعرفي النكد بين‬    ‫أضف إلى ذلك تمكن الصور‬
                                    ‫الفن والدين‪ ،‬الذي لا يني‬    ‫الوهمية النمطية المغلوطة من‬
      ‫التام من أنساق الفكر‪،‬‬          ‫يتعقد ويتعمق ويتعملق‪،‬‬
   ‫ونماذج المعرفة‪ ،‬وإكراهات‬      ‫وكان هذا يحيرني ويزلزني‬           ‫عقل المثقف وروحه حتى‬
 ‫الثقافة‪ ،‬وضرورات التاريخ‪،‬‬                                      ‫صارت راسخة‪ ،‬مثل شيوع‬
                                       ‫كثي ًرا في مبتدأ حياتي‬  ‫أنماط جمالية كثيرة معاصرة‬
      ‫وحدود اللغة مستحيل‬          ‫العلمية‪ ،‬وهو يعكس صو ًرا‬      ‫تتخذ من التهجم على الرموز‬
 ‫ووهم‪ ،‬ولكن التخفف النقدي‬                                         ‫الدينية ووصفها بالرجعية‬
                                     ‫من التناقض والازدواج‬      ‫والأصولية والجهل والتخلف‪،‬‬
      ‫الحر النشط من الأثقال‬      ‫والزيف والإقصاء في الوسط‬
  ‫الرمزية‪ ،‬والأنساق المنهجية‬                                        ‫ومشايعة نقاد حداثيين‬
                                    ‫الثقافي والإبداعي العربي‪،‬‬   ‫مدعين على ما يفعلونه‪ ،‬حتى‬
     ‫ليس بالمستحيل‪ ،‬التحرر‬        ‫لذا حرصت كل الحرص أن‬         ‫يحظى ببعض القبول الوهمي‬
     ‫من إمبريالية النظريات‪،‬‬       ‫أظل بعي ًدا عن أذاها وبمنأى‬
  ‫ودكتاتورية المعارف يلزمنا‬                                         ‫بين الناس‪ ،‬وللقارئ أن‬
 ‫بإعمال العقل النقدي الخلاق‬           ‫عن أوهامها‪ ،‬أصدر في‬      ‫يرجع للواقع الثقافي المعاصر‬
  ‫لنحسن السير في اتجاهات‬         ‫فكري وكتاباتي عما أومن به‬     ‫حتى يتأكد بنفسه من المعارك‬
  ‫معرفية وفلسفية وتاريخية‬
    ‫متعددة متباينة متحاورة‬         ‫دون تردد ولا نكوص ولا‬          ‫النقدية والجمالية الطاحنة‬
    ‫متجاوزة‪ ،‬أن يسير العقل‬      ‫استخذاء‪ ،‬وأصدر عن ثقافتي‬         ‫الدائرة بين الفريقين‪ ،‬فريق‬
  ‫النقدي عبر مسارات علمية‬
   ‫جدلية عديدة‪ ،‬يهيمن عليها‬        ‫العربية الإسلامية وواقعي‬       ‫التهجم على التيار الجمالي‬
‫إعمال آليات التفكيك والتحليل‬    ‫العربي بكل ما يموجان به من‬     ‫الديني وفريق المحافظين على‬
                                ‫عمق وتعدد وانفتاح وتجريب‪،‬‬
    ‫وإعادة الصهر والتركيب‬                                         ‫الطرف المقابل‪ ،‬وكأن ليس‬
   ‫من جديد في كل شيء‪ ،‬في‬              ‫مع انفتاحي اللامحدود‬     ‫للمبدع من نصيب في الشهرة‬
 ‫ذات الوقت الذي يستدير فيه‬       ‫واللامشروط على كل ثقافات‬
   ‫على ذاته المعرفيه ومعاييره‬   ‫العالم من حولي بكل ما تموج‬        ‫والتميز الوهمي إلا كان له‬
    ‫المنطقية وأطره التصورية‬       ‫به من حرية ونشاط وتعدد‬            ‫حصة من الولع بتحقير‬
   ‫بالنقد والتفكيك والتركيب‬      ‫وإمكان‪ ،‬لقد حرصت على أن‬
   ‫أي ًضا‪ .‬فما أحوجنا الآن أن‬   ‫أفتح جميع نوافذ بيتي الثقافي‬   ‫القيم الدينية‪ ،‬والتجديف ضد‬
  ‫نتعلم السير العقلاني الحر‬                                    ‫الأصول‪ ،‬حتى إذا أراد شاعر‬
                                    ‫على جميع الجهات الأربع‬
      ‫النشط في طرق متعددة‬          ‫للرياح والهواء‪ ،‬شريطة ألا‬     ‫أو ناقد أو مفكر يسعي إلى‬
    ‫متباينة دفعة واحدة‪ ،‬فهو‬                                     ‫الشهرة بين الناس فليس له‬
‫خير لعقولنا ولعافيتنا اللغوية‬                   ‫تقتلع بيتي‪.‬‬     ‫سوي التهجم على المقدسات‬
    ‫والتاريخية والمعرفية من‬                                    ‫حتى يشتهر أمره بين الناس‪،‬‬
‫السير في طريق واحد مستقيم‬           ‫كنت أرى أنه من الأجدى‬      ‫ثم تدور معركة وهمية كبيرة‬
 ‫أصلد‪ ،‬لا جهد فيه‪ ،‬ولا عناء‪،‬‬      ‫علينا جمي ًعا أن نتعلم كيف‬      ‫فتراه قد أصبح بين عشية‬

         ‫ولا ظلال‪ ،‬ولا أفياء‬          ‫نمارس الفكر والمعرفة‬        ‫وضحاها مشهو ًرا بعد أن‬
                                ‫والإبداع مثلما نمارس الحياة‬         ‫كان هم ًل خام ًل منسيًّا‪،‬‬
                                 ‫في الهواء الحر الطليق‪ ،‬نقبل‬
                                                                 ‫وفي الحقيقة فإن الجميع في‬
                                  ‫ما نقبل‪ ،‬ونرد ما نرد دون‬     ‫الوهم مشتركون‪ ،‬حتى لتجد‬
                                   ‫الانكفاء داخل نسق معرفي‬
   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202