Page 196 - merit 41- may 2022
P. 196

‫العـدد ‪41‬‬                                ‫‪194‬‬

                                  ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬                            ‫أي بقعة من العالم وجدت‬
                                                                           ‫ثمة نس ًقا من النماذج‬
      ‫والازدواج والانتهازية‬         ‫في أي ممارسة بشرية‪ ،‬بعد‬
‫للشاعر والكاتب العربي الذي‬          ‫أن امحت المسافات المعرفية‬       ‫المعرفية والوجدانية والقيمية‬
                                    ‫والمنهجية بين الذات المدركة‬          ‫الأخلاقية والدينية ترقد‬
  ‫يخشي من سطوة الصورة‬               ‫والموضوع المدرك والسياق‬
    ‫الذهنية النمطية العامة في‬     ‫الثقافي الذي يتم فيه الإدراك‪،‬‬        ‫في أعماقة‪ .‬حتي في العلوم‬
                                                                       ‫التجريبية الصلبة لا يخلو‬
  ‫الفصل بين جسارة الإبداع‬             ‫فالوعي البشري لا يدرك‬           ‫منهج ولا نظرية علمية من‬
‫وتقليدية ورجعية الدين‪ ،‬وهي‬           ‫التجارب والوقائع بصورة‬         ‫تصور قيمي ديني تراه راق ًدا‬
                                    ‫بريئة خام غير متحيزة‪ ،‬بل‬         ‫في أعماق النظرية وفي أعماق‬
 ‫صورة ذهنية واهمة وكاذبة‬             ‫يتم هذا الإدارك من خلال‬          ‫المنهج‪ .‬بل كل نظرية علمية‬
      ‫وظالمة لا علاقة لها أب ًدا‬    ‫نسق ثقافي علمي حضاري‪،‬‬           ‫تستند في الأساس ‪-‬ضمن ما‬
                                      ‫ونماذج معرفية وفلسفية‬          ‫تستند إليه من منهج علمي‪-‬‬
 ‫بحقيقة الإبداع‪ ،‬لكن للأسف‬          ‫وتأويلية مسبقة راسخة في‬           ‫إلى قيم دينية وأيديولوجية‬
     ‫وقع المبدع العربي تحت‬           ‫بنية الوعي واللاوعي معا‪.‬‬          ‫في رؤية العلم والعالم‪ ،‬فلا‬
                                  ‫فكل تصور علمي ما لا يكون‬          ‫يمكن فصل العلم عن الفلسفة‬
‫تأثير ضغطها وشيوعها‪ ،‬فهل‬             ‫كذلك إلا من خلال نموذج‬         ‫عن الدين في أية نظرية علمية‬
   ‫كان المبدع العربي يخشى‬                                             ‫أو إنسانية‪ ،‬فالعلوم نفسها‬
  ‫الحرية والاستقلال إلى هذا‬              ‫معرفي إدراكي مسبق‪.‬‬             ‫جزء لا يتجزأ من الرؤية‬
                                  ‫وبناء على كل هذه التصورات‬         ‫الفلسفية الشاملة التي تنطلق‬
 ‫الحد؟! مع العلم بأن الإبداع‬       ‫العلمية لا بد أن يكون الدين‬      ‫منها وتؤطرها‪ ،‬ليس هذا فقط‬
 ‫الحق الأصيل يحتاج إلى قدر‬                                            ‫بل إن النظريات المتصارعة‬
                                     ‫جز ًءا لا يتجزء من نسقية‬
  ‫هائل من القدرة على التفرد‬         ‫الخطاب الثقافي والحضاري‬              ‫في علوم الفيزياء وعلوم‬
    ‫والإيمان بالذات‪ ،‬والقدرة‬                                            ‫الفلك وعلوم الأحياء كما‬
                                       ‫الذي يصدر عنه الإبداع‬           ‫يقول الدكتور على الشوك‬
 ‫على العزلة والتفرد والإبحار‬          ‫والمبدعون العرب‪ ،‬بل كل‬          ‫تعكس خلفيات فلسفية‪ ،‬بل‬
    ‫عكس ثقافة الحشد! فأين‬          ‫المبدعين في كل زمان ومكان‬
     ‫حرية المثقف المزعومة؟!‬          ‫شاؤا أم أبوا‪ ،‬أدركوا أم لم‬            ‫وأيديولوجية مختلفة‪.‬‬
       ‫لقد آثر المثقف العربي‬        ‫يدركوا‪ .‬والغريب أن معظم‬             ‫إن البحث العلمي أ ًّيا كان‬
                                    ‫المبدعين العرب تراهم أكثر‬         ‫تخصصه ومقصده مقترن‬
‫الاستعلاء والغرور والإقصاء‬          ‫تسام ًحا وقبو ًل في توظيف‬            ‫دو ًما بفرضيات فلسفية‬
  ‫والوهم على حساب الحرية‬               ‫الرموز الدينية المسيحية‬           ‫قبلية راسخة‪ ،‬ومواقف‬
 ‫والقدرة على العزلة والتفرد‪.‬‬          ‫والإغريقية واليونانية في‬        ‫عقدية مسبقة‪ ،‬وإن اعترض‬
 ‫وربما عزز من هذا الإقصاء‬            ‫شعرهم وفنونهم أكثر مما‬            ‫معترض قائ ًل بأن العلوم‬
 ‫والنفور ندرة الأعمال الفنية‬                                         ‫الطبيعية تقوم على الملاحظة‬
    ‫الإسلامية المتفردة شك ًل‬            ‫يتسامحون في توظيف‬            ‫والتجريب والتجربة المعملية‬
    ‫ومضمو ًنا‪ ،‬فلم نجد مث ًل‬          ‫الرموز الدينية الإسلامية‬      ‫العملية الموضوعية ولا علاقة‬
      ‫مسرحية حديثة تصدر‬           ‫وهي أولى ثم أولى‪ ،‬لا تعظي ًما‬       ‫بين هذه الممارسات العلمية‬
     ‫عن وعي عربي إسلامي‬             ‫منَّا لقيمنا الدينية وتبخي ًسا‬  ‫والنسق الديني‪ ،‬فمردود عليه‬
    ‫أصيل لافت في قامة بناء‬        ‫لقيم غيرنا‪ ،‬بل لقربها العميق‬          ‫بأن الوعي الموضوعي لا‬
     ‫وتشكيل مسرحية (أهل‬           ‫من النسق الثقافي والحضاري‬         ‫ينفصل أب ًدا عن الوعي الذاتي‬
      ‫الكهف) لتوفيق الحكيم‬            ‫والجمالي للمتلقي العربي‬
     ‫مث ًل‪ .‬كما لم نجد أعما ًل‬     ‫الذي يتلقى هذا الشعر‪ ،‬وهذا‬
                                  ‫وجه آخر من وجوه التناقض‬
 ‫سردية في قامة أعمال نجيب‬
    ‫الكيلاني إلا ناد ًرا‪ ،‬وبذلك‬
   ‫تواطأ ندرة الأعمال الفنية‬

  ‫العربية الإسلامية العظيمة‪،‬‬
  ‫مع وهمية الصورة النمطية‬
   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201