Page 191 - merit 41- may 2022
P. 191

‫‪189‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

     ‫ظلال النظريات وكهفية‬               ‫التاريخ ومعاناة الواقع‬       ‫جزر متداخلة متجادلة في‬
  ‫الأفكار ومثالية التصورات‬        ‫والاندغام في روح وتصورات‬           ‫روح وهوية الشعوب‪ ،‬فلا‬
‫عن المثول في حضرة صلابة‬                                             ‫تنهض الشعوب إلا بمجمل‬
                                    ‫الجماليات العربية المتوارثة‬
     ‫التاريخ وحسيات جسد‬             ‫لتجاوزها‪ ،‬فلا يوجد تنظير‬           ‫مكونات هويتها الثقافية‬
 ‫الدنيا‪ .‬فاتسعت المسافة بين‬        ‫تجريدي خالص هكذا خارج‬          ‫والحضارية المعقدة المتداخلة‪،‬‬
  ‫ما نسقطه على الواقع وبين‬        ‫متطلبات التاريخ ومقتضيات‬         ‫ولكن استبداد الذات العربية‬

   ‫الواقع نفسه‪ ،‬فلم نعد نره‬              ‫الواقع‪ ،‬بل لا بد حتى‬         ‫ضد ذاتها لدى المفكرين‪،‬‬
  ‫إلا أشبا ًحا وكهو ًفا وظلا ًل‪،‬‬  ‫يستحق هذه التسمية العلمية‬           ‫وحرص جل المثقفين على‬
                                                                      ‫إسقاط النموذج العقلاني‬
      ‫انزرعت الغيبوبة محل‬               ‫أن يكون ناب ًعا من لحم‬    ‫الغربي محل الواقع التاريخي‬
  ‫اليقظة‪ .‬كانت الأمور تسير‬         ‫التاريخ وعظم الواقع‪ ،‬قاد ًرا‬       ‫العربي‪ ،‬خلق هذا التغول‬
 ‫صوب تغييب الروح والعقل‬            ‫على التحريك والتغيير ودفع‬       ‫الفكري الذي نقض مكونات‬
 ‫وهدر الذات وطمس الحرية‬           ‫عجلة الحياة واللغة والثقافة‪.‬‬
‫والهوية‪ ،‬وفارق كبير بين أن‬         ‫فكل إبداع حي أصيل قسمة‬                ‫الروح والعقل العربي‬
‫تتجادل مع الآخر وأن تذوب‬          ‫مشتركة بين الفهم والتغيير‪،‬‬           ‫والثقافة العربية أنقا ًضا‬
                                   ‫الواقع والأمل‪ ،‬لكن ما حدث‬           ‫من بعد غزل‪ ،‬وكان من‬
                       ‫فيه‪.‬‬                                           ‫الأولى أن يبحث مفكرونا‬
     ‫لقد تناسي معظم كتابنا‬             ‫عندنا كان شيئًا مختل ًفا‪.‬‬     ‫عن الأشكال الأيديولوجية‬
    ‫ومثقفينا أن منطق الخلل‬        ‫للأسف كانت معظم نظرياتنا‬
                                   ‫العلمية وتصوراتنا الجمالية‬            ‫التمزيقية والإقصائية‬
          ‫والنسبية واللادقة‬                                       ‫والانتقائية الكامنة في المناهج‬
   ‫واللاموضوعية هي المنافذ‬              ‫والمعرفية واهمة زائفة‬
‫الحرة الخلاقة لخلق وابتكار‬           ‫تتبلور في تراكم المعلومات‬        ‫والتصورات والممارسات‬
                                                                      ‫والتي دبرت وبنت جميع‬
     ‫مسارات علمية وثقافية‬                ‫والتصورات بعي ًدا عن‬     ‫أوجه حقائق حياتنا المزعومة‪،‬‬
  ‫ووجودية وجمالية جديدة‪،‬‬              ‫تكييفها الجدلي التاريخي‬       ‫فلكل مجتمع من المجتمعات‬
   ‫إنه دليل الهواء الحر الذي‬      ‫لتغيير اللغة والثقافة والحياة‪،‬‬
   ‫نتنفسه ودليل بقية الروح‬            ‫فبعدت الشقة بين النص‬              ‫البشرية نظامه الثقافي‬
                                      ‫والواقع‪ ،‬اللغة والتاريخ‪،‬‬       ‫والأنثربولوجي والتخييلي‬
       ‫الحية فينا‪ ،‬هذا الخلل‬         ‫بعد أن تم خلع الواقع عن‬
 ‫الفكري لا مفر منه في جميع‬            ‫واقعيته وزرع النظريات‬               ‫والسياسي والخرافي‬
                                        ‫بد ًل منه‪ ،‬فعلا منسوب‬        ‫والأسطوري المسؤول عن‬
   ‫ممارسات الفكر البشري‪،‬‬           ‫الكلمات على حساب منسوب‬
     ‫ولعل هذا الخلل المعرفي‬         ‫الواقع‪ .‬فانفصلت اللغة عن‬            ‫بناء الحقيقة فيه‪ ،‬فأين‬
      ‫والمنهجي الذي يعتري‬            ‫الشىء‪ ،‬واضمحلت القدرة‬           ‫تكمن الخرافة إذن؟ هل في‬
                                     ‫على رؤية الواقع التاريخي‬       ‫خرافات وأحلام وهواجس‬
 ‫العقل البشري يتعدي مجرد‬           ‫الفعلي والتنظير والرؤية من‬       ‫وأجساد الناس كما يحيون‬
   ‫الأخطاء العلمية والمعرفية‬         ‫خلاله‪ ،‬أصبح النص بدي ًل‬       ‫حياتهم اليومية الطبيعية؟ أم‬
                                    ‫عن الواقع‪ ،‬والنظرية بديلة‬       ‫في أفكار المثقفين وانساقهم‬
‫التي ينتجها العقل الإنساني‪،‬‬         ‫عن موضوع الدرس بحجة‬             ‫المنهجية البنيوية اللاسببية‬
‫لينال بنية وطبيعة عمل العقل‬       ‫العلم والموضوعية والمنهجية‪،‬‬
                                      ‫كأن حياتنا الفعلية ظلال‬           ‫الاستعلائية الإقصائية‬
   ‫والتفكير الإنساني نفسه‪،‬‬            ‫كهوف أفلاطون‪ ،‬حجبتنا‬                ‫الانتقائية الصارمة؟‬
 ‫في بحثه الدؤوب عن المعرفة‬
 ‫أ ًّيا كان تخصصها ومنهجها‬                                          ‫لا إبداع ولا نقد جاد أصيل‬
‫ومقصدها‪ ،‬فحيث تكون اللغة‬                                               ‫دون أن يكون ناب ًعا من‬
                                                                      ‫الشرط الإنساني وحركة‬
  ‫يكون الإنسان الذي يحمل‬
   ‫منطقها ودقتها وفوضاها‬
   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196