Page 189 - merit 41- may 2022
P. 189

‫‪187‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫عبد الرحمن بدوي‬                 ‫زكي نجيب محمود‬                 ‫والهوية‪ ،‬وفارق كبير بين أن‬
                                                               ‫تتجادل مع الآخر وأن تذوب‬
  ‫يمكننا من الوقوف النقدي‬          ‫الإعضال الثنائي الفكري‬
 ‫العميق على مواطن الانقطاع‬        ‫الوهمي في عقول مثقفينا‪،‬‬                             ‫فيه‪.‬‬
                                  ‫وما ترتب عليه من شيوع‬              ‫لذلك كله كنت أرى أن‬
    ‫والانفصال داخل مواقع‬                                           ‫معظم تصوراتنا المعرفية‬
   ‫الاتصال المؤدلجة العمياء‪،‬‬          ‫نمط الأزواج المعرفية‬           ‫والجمالية والثقافية قد‬
                                   ‫الميتافيزيقية الخرافية في‬     ‫غلبت عليها الهرولة الفجة‪،‬‬
     ‫حيث كل اتصال يغمره‬          ‫حياتنا الثقافية‪ ،‬الماضي في‬        ‫لا السير الناضج المبدع‪،‬‬
      ‫انفصال‪ ،‬وكل انفصال‬        ‫مواجهة الحاضر‪ ،‬والأصالة‬            ‫كما قادها الوهم الراسخ‬
‫يعمره اتصال‪ ،‬ولن نستطيع‬                                             ‫على حساب الجدل الحر‬
  ‫أن نتصل بذاتنا الحضارية‬             ‫في مواجهة المعاصرة‪،‬‬      ‫الواعي‪ .‬فكان معظم تصورنا‬
 ‫والثقافية أو ذوات الآخرين‬           ‫والعرفاني في مناقضة‬          ‫لقضايا التجديد والتحديث‬
    ‫وثقافتهم اتصا ًل حقيقيًّا‬      ‫البرهاني‪ ،‬إلى آخر أنماط‬       ‫والقطيعة والانفصال أقرب‬
   ‫أصي ًل إلا إذا انفصلنا عن‬       ‫الأزواج الفكرية التفتيتية‬       ‫إلى الاستشراق الغربي‪-‬‬
    ‫ذواتنا وذواتهم قلي ًل أو‬      ‫الميتافيزيقية الوهمية التي‬    ‫عربي على غرار الاستشراق‬
‫كثي ًرا‪ ،‬فلا تجاهل بالكلية ولا‬        ‫ضللت واقعنا العربي‬          ‫الغربي‪ -‬عربي‪ .‬فالتجديد‬
 ‫استغراق بالكلية‪ ،‬وعند هذا‬       ‫المعاصر‪ ،‬ومن ثمة لا يكون‬         ‫ليس تشب ًها بالآخر وليس‬
   ‫بالتحديد سنكتشف مدي‬              ‫هناك انفصال في مواجة‬         ‫انتقا ًصا له‪ ،‬فكلاهما إفراط‬
   ‫قلق الفراغ الخلاق الكامن‬     ‫اتصال بل من داخله نفسه‪،‬‬         ‫وتفريط‪ ،‬بل خلق حوار معه‬
   ‫طي وهم الامتلاء الزائف‪،‬‬           ‫بما يمكننا من الوقوف‬        ‫وإعادة بناء له وفق شرطي‬
‫كما سنكتشف أسباب التقطع‬         ‫المعرفي المنهجي الرصين على‬     ‫الإنساني والتاريخي الخاص‬
  ‫والاغتراب والتخثر الكامنة‬      ‫ألوان الاتصال والانفصال‬
     ‫داخل أسباب الطمأنينة‬            ‫الزائفة في الحضارتين‬                             ‫بي‪.‬‬
  ‫الرخوة المطمئنه في حياتنا‪،‬‬     ‫م ًعا‪ :‬العربية والغربية‪ ،‬مما‬  ‫ثامنًا وأخي ًرا‪ :‬يواجه الاتصال‬

                                                                   ‫والانفصال الميتافيزيقيان‬
                                                                ‫الوهميان السابقان اتصالان‬
                                                               ‫وانفصالان تاريخيان منتجان‬
                                                                 ‫خالقان‪ ،‬وهما أصعب ألوان‬

                                                                    ‫الاتصال والانفصال في‬
                                                                     ‫حياتنا الثقافية العربية‬
                                                                  ‫وأندرهما أي ًضا‪ ،‬حيث كل‬
                                                               ‫انفصال مبدع خلاق لا يكون‬
                                                                  ‫إلا من خلال اتصال مبدع‬
                                                               ‫خلاق‪ ،‬فلا يتم الاتصال الحق‬
                                                                  ‫بالثقافة الغربية الحاضرة‬
                                                                 ‫أو الثقافة العربية الموروثة‬
                                                                 ‫إلا من خلال قوة الانفصال‬
                                                                 ‫عنهما معا‪ ،‬في ضوء أسئلة‬
                                                                   ‫وشروط الحاضر العربي‬
                                                                   ‫التاريخي‪ ،‬بما ينهي حالة‬
   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194