Page 184 - merit 41- may 2022
P. 184

‫العـدد ‪41‬‬                            ‫‪182‬‬

                                ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬                           ‫راب ًعا‪ :‬العقل الإنساني‬
                                                                     ‫والنشاط الإبداعي لا‬
 ‫والاستقلال الذاتي ووقوعه‬         ‫الإبداعي إن هو إلا مجموع‬     ‫يريان العلم والواقع إلا من‬
‫‪-‬في الوقت نفسه‪ -‬في التقليد‬          ‫ما ركب فيه وتنشأ عليه‪:‬‬       ‫خلال مفاهيم وتصورات‬
                                   ‫شاء أم أبي‪ ،‬وعي أم غفل‪،‬‬       ‫ونماذج معرفية وفلسفية‬
    ‫والتبعية للصور النمطية‬                                        ‫وأيديولوجية قبلية تكمن‬
   ‫الوهمية الشائعة السائدة‪.‬‬       ‫أدرك أو لم يدرك‪ .‬الإنسان‬      ‫في الوعي واللاوعي الثقافي‬
                                ‫يعجز أن يوقف تدفق جريان‬         ‫والحضاري‪ ،‬فالعقل نفسه‬
       ‫ساب ًعا‪ :‬ثم خلل فكري‬     ‫نهر الزمن فيه من ماضيه إلى‬    ‫عبارة عن فكرة أنثربولوجية‬
    ‫ومنهجي مؤلم في الوسط‬                                          ‫ثقافية‪ ،‬فالنموذج الثقافي‬
    ‫الثقافي والإبداعي العربي‬      ‫حاضره إلى مستقبله‪ .‬وهو‬       ‫الإدراكي المهيمن على العقل‬
   ‫سببه غياب الوعي الجدلي‬       ‫ما أطلق عليه في جل كتاباتي‬    ‫يجعله يري على هذه الشاكلة‬
‫الخلاق بأصول ديننا السمح‬                                        ‫دون سواها‪ ،‬ومن ثمة فإن‬
 ‫المرن‪ ،‬وغياب الوعي بالتراث‬          ‫(ديمومة بناء الأصول)‪،‬‬    ‫العقل نفسه هو طريقة إدراك‬
   ‫وأصول التجديد‪ ،‬وبفكرة‬            ‫وبالتالي فالحرية لا تعني‬      ‫العقل‪ ،‬والواقع نفسه هو‬
   ‫الأصول نفسها‪ ،‬سواء في‬           ‫الانفلات والنسف بقدر ما‬     ‫طريقة إدراكنا للواقع‪ ،‬وهذا‬
  ‫صورة جدل الذات العربية‬             ‫تعني التحول والتجديد‪،‬‬        ‫يعني إذا اختلفت طريقة‬
‫مع ذاتها الحاضرة والماضية‪،‬‬       ‫فهناك فرق هائل بين منطق‬        ‫إدراكي عن طريقة إدراكك‬
‫أو جدلها مع ماضي وحاضر‬           ‫الجدل ومنطق الخلل‪ .‬الأول‬        ‫اختلف واقعي عن واقعك‬
‫الآخرين‪ ،‬فقد غلب في الحالين‬      ‫استحقاق والثاني استلحاق‪.‬‬         ‫ولغتك عن لغتي‪ .‬وبذلك‬
                                    ‫ساد ًسا‪ :‬عندما يستخذي‬        ‫تختلف فكرة الوجود عن‬
      ‫منطق الخلل على منطق‬        ‫المبدع من أصوله ويستنكف‬
   ‫الجدل‪ ،‬ومن ثمة تح َّك َم في‬      ‫عن تقاليده وقيمه ودينه‬                ‫فكرة الحضور‪.‬‬
    ‫الإبداع والمبدعين وهمان‬      ‫بزعمه أنها أصولية ورجعية‬         ‫خام ًسا‪ :‬لا توجد قطيعة‬
‫كبيران عن مفهومي الاتصال‬            ‫دون فحص ولا تمحيص‬             ‫مطلقة مع الماضي بكافة‬
                                 ‫خضو ًعا لهذا الوهم الراسخ‬       ‫مواريثه‪ ،‬فهذا وهم‪ ،‬وهو‬
      ‫والانفصال وعلاقتهما‬           ‫الشائه‪ ،‬فهذا يعني ضآلة‬    ‫مستحيل على المستوى المادي‬
 ‫بمفهوم الحرية والاستقلال‬        ‫منسوب التحرر والاستقلال‬
                                                                          ‫العملي الصرف‪،‬‬
            ‫الذاتي الإبداعي‪.‬‬           ‫لدي المبدع‪ ،‬وتناقضه‬                     ‫ومستحيل‬
    ‫للأسف كان معظم كتابنا‬             ‫بين الدعوة إلى التحرر‬                    ‫كذلك على‬
‫ومبدعينا ومفكرينا يكرسون‬                                                        ‫المستوي‬
                                                                                 ‫المنطقي‬

                                                                          ‫المحض‪ ،‬لأن ما‬
                                                                          ‫مضي لم يمض‬
                                                                           ‫بصورة مطلقة‬

                                                                               ‫بل لا زال‬
                                                                          ‫يمضي أب ًدا فينا‬

                                                                             ‫في حاضرنا‬
                                                                           ‫ومستقبلنا على‬
                                                                          ‫السواء‪ .‬فالعقل‬
   179   180   181   182   183   184   185   186   187   188   189