Page 186 - merit 41- may 2022
P. 186

‫العـدد ‪41‬‬                             ‫‪184‬‬

                               ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬                            ‫و َّزع العقل العربي بين‬
                                                                 ‫العرفان الغزالي اللاسببي‬
                 ‫الجابرى؟‬         ‫التوحيدي وإخوان الصفا‬          ‫بزعمه والبرهان الرشدي‬
‫وانظر معي قارئ الكريم إلى‬         ‫مث ًل بأقل عقلانية من ابن‬    ‫السببي العقلاني بزعمه‪ ،‬ثم‬
 ‫الدكتور زكي نجيب محمود‬        ‫رشد؟ وهل كان المعري مث ًل‬       ‫نراه قد أنهي حياته الفكرية‬
 ‫الذي وقع في نفس التناقض‬         ‫بأقل عقلانية من أرسطو؟‬           ‫بكتابه الذائع عن (تفسير‬
  ‫الفكري الإقصائي التفتيتي‬      ‫وهل كان إخوان الصفا مث ًل‬        ‫القرآن) في مجلدين‪ ،‬وهنا‬
                                 ‫بأقل عقلانية من الجاحظ؟‬          ‫وجه المفارقة الكبرى! ما‬
    ‫الذي وقع فيه الجابري‪،‬‬       ‫وهل كان الغزالي مث ًل بأقل‬      ‫سبب هذا الانقلاب الفكري‬
    ‫زكي نجيب محمود الذي‬         ‫عقلانية من ابن رشد أو ابن‬        ‫المدوي لدي الجابري الذي‬
   ‫ظل يدافع طوال عمره عن‬           ‫عربي؟ وهل كان الن َّفري‬
  ‫الوضعية المنطقية والتفكير‬    ‫وابن الفارض والسهروردي‬               ‫عذبني في شبابي بهذا‬
 ‫المنطقي العقلاني من وجهة‬                                        ‫الإقصاء الفكري والتفتيت‬
    ‫نظره‪ ،‬مستبع ًدا خرافات‬               ‫ضد مفاهيم العقل‬          ‫المنهجي بين عقلانية ابن‬
                               ‫والعقلانية؟ وهل اللاعقلانية‬
      ‫الميتافيزيقا وموروثات‬    ‫التي تتجلي في ظاهرات الكون‬          ‫رشد وعرفانية الغزالى؟‬
‫اللاعقل واللامعقول في حياة‬                                       ‫على الأغلب أنه كان يصدر‬
                                 ‫ضد العقلانية على مقاييس‬         ‫في فكره عن منهج انتقائي‬
   ‫الشعوب‪ ،‬وع َّدها من باب‬               ‫مفكرينا الخاصة؟‬          ‫إقصائي تفتيتي قائم على‬
   ‫بينما العقل من باب آخر‪،‬‬                                     ‫التبرير الأيديولوجي المسبق‬
 ‫ختم حياته الفكرية بانقلاب‬        ‫الحقيقة أن الواقع العربي‬    ‫لا التفسير الجدلي التاريخي‪،‬‬
   ‫فكري عجيب فكتب كتابه‬          ‫الإسلامي لم يقع أب ًدا فيما‬
‫(رؤية إسلامية)‪ ،‬تما ًما مثلما‬     ‫وقع فيه الجابري ومعظم‬             ‫أقصد تبرير الفكر على‬
    ‫فعل الجابري حين أنهى‬         ‫المثقفين العرب من تناقض‬         ‫حساب الواقع‪ ،‬فهو يؤمن‬
 ‫حياته بتفسير القرآن‪ ،‬أغلب‬        ‫واختزال وانتقاء وإقصاء‪،‬‬     ‫بالنظرية أو ًل‪ ،‬ثم يعزل مادة‬
   ‫الظن عندنا أن الميتافيزيقا‬    ‫وكأننا في حتميات منهجية‬        ‫الواقع عن سياقها الروحي‬
   ‫في الفكر الغربي العقلاني‬                                      ‫والعقلاني والشعبي المعقد‬
  ‫ليست نقي ًضا للفكر الغيبي‬         ‫ومعرفية لا في جدليات‬
    ‫اللاعقلاني كما وهم جل‬         ‫تاريخية‪ ،‬أخشي يا قارئي‬           ‫الذي نبتت فيه ثانيًا‪ ،‬ثم‬
    ‫مفكرينا‪ ،‬وأغلب الظن أن‬      ‫الكريم أن تظن أنني على ثأر‬      ‫يعيد تدوير كل هذا لصالح‬
‫التفكير العقلاني ليس بمعزل‬      ‫قديم مع الجابري نفسه‪ ،‬لا‬        ‫ما يؤمن به مسب ًقا من فكر‬
    ‫أب ًدا عن التفكير الحدسي‬      ‫والله‪ ،‬فلم أقابله في حياتي‬  ‫ومنهج وأيديولوجية‪ ،‬فيسكت‬
                                                                ‫ع َّما يشاء و ُينطق ما يشاء‪،‬‬
     ‫والاستدلالي ولا القيمي‬        ‫مرة واحدة‪ ،‬بل قرأت له‬         ‫ويثبت ما يشاء ويمحو ما‬
  ‫والثقافي والديني كما وهم‬           ‫وأفدت منه ومن غيره‪،‬‬       ‫يشاء شأن كل منطق خرافي‬
  ‫جل مفكرينا ومبدعينا‪ ،‬لقد‬      ‫لكنهم أوقعوني في سجوني‬         ‫أسطوري لأنه مطلق التفكير‬
                                 ‫الفكرية اللامرئية والمرئية‪،‬‬    ‫وعنده أم الكتاب‪ .‬بعي ًدا عن‬
    ‫حصر كثير من مفكرينا‬              ‫أعاني وحدي بحثًا عن‬
     ‫عقولهم في فكرة ضيقة‬         ‫حلول لاغترابي وخلاصي‬             ‫منطق الجدل ومقتضيات‬
 ‫مسبقة ثم دافعوا عنها حتى‬        ‫وخلاص الواقع من حولي‪،‬‬             ‫التاريخ ومنطق التفكير‬
    ‫الموت؛ دون أن يصيخوا‬          ‫وإذا أصررت أن تظن بي‬
     ‫السمع كثي ًرا إلى حقائق‬      ‫ماليس بي‪ ،‬فتتهمني مث ًل‬     ‫بالمنظومة الروحية والعقلانية‬
     ‫الواقع الثقافي للشعوب‪،‬‬    ‫بأنني طالب ثأر من الدكتور‬         ‫والثقافية الكلية التي نبتت‬
‫ودون الإنصات إلى مباغتات‬           ‫الجابري‪ ،‬فماذا تقول في‬           ‫فيها الحضارة العربية‬
      ‫الواقع وانفلاتات اللغة‬   ‫كثير من مثقفينا الذين فعلوا‬
‫وتطوحات الحدوس وتقلبات‬           ‫مثلما فعل أستاذنا الدكتور‬     ‫الإسلامية برمتها‪ ،‬فهل كان‬
   181   182   183   184   185   186   187   188   189   190   191