Page 8 - merit 41- may 2022
P. 8

‫العـدد ‪41‬‬                                            ‫‪6‬‬

                                                  ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬

‫الحديث جعلت للأموال سع ًرا سوقيًّا‪ ،‬وتحدثت‬           ‫مؤسسته التقليدية الاتباعية على هذا الخطأ‬
 ‫عن فرص الاستثمار المتعددة للأموال بالشكل‬         ‫الجسيم الذي كلف المجتمع ُكلفة باهظة‪ ،‬ودون‬

      ‫الذي يزيد حصيلتها‪ ،‬فالذي يملك ‪1000‬‬              ‫أن يعتذر للراحلة نوال السعداوي‪ ،‬الطبيبة‬
    ‫جنيه يمكن أن يشتري بها ماشية ويعلفها‬          ‫التي وعت لخطورة الختان منذ ستينيات القرن‬
 ‫لتصير ألفين بعد شهرين مث ًل‪ ،‬في حين أنه لو‬       ‫الماضي‪ ،‬باعتبارها (أهل ذكر)‪ ،‬وكتبت وتحدثت‬
 ‫وضع الألف في البنك انتظا ًرا للفائدة ستصير‬
 ‫‪ 1020‬بعد الشهرين‪ ،‬ولو وضعها في الدولاب‬             ‫كثي ًرا‪ ،‬مما كلفها الفصل من عملها‪ ،‬وتكفيرها‬
 ‫ستنقص‪ ،‬وإن أقرضها لمحتاج ستظل كما هي‬             ‫من المدرسين والأساتذة أنفسم الذين يعتبرون‬
                                                   ‫أن فتوى الشيخ ضد الختان –الآن‪ -‬دلي ًل على‬
          ‫بفرض أن المحتاج استطاع السداد!‬
  ‫علم الاقتصاد قائم على الاختيار بين الفرص‬                            ‫انفتاح الأزهر وتطوره!‬
   ‫حسب درجة المغامرة التي يتحملها صاحب‬              ‫الموضوع الأخطر في الثقافة الدينية المغلوطة‪،‬‬
  ‫رأس المال‪ ،‬لذلك قد يكون مفهو ًما أن ُيقر َض‬       ‫هو تحريم فوائد البنوك الذي قال به الشيوخ‬
   ‫شخ ٌص ما قريبًا له أو صدي ًقا مبل ًغا صغي ًرا‬  ‫سنوات كثيرة‪ ،‬باختلاف انتماءاتهم‪ ،‬باعتبار أن‬
‫ليقضي به حاجة مل َّحة كالطعام والشراب‪ ،‬وإن‬         ‫فائدة القرض ربا ح َّرمه الله في القرآن الكريم‬
  ‫زاد عليه المبلغ يكون قد استغل فقره‪ ،‬لكن لا‬        ‫تحري ًما صري ًحا‪ ،‬بالرغم من أن تعريف الربا‬
 ‫يكون مفهو ًما أن يقرضه مبل ًغا كبي ًرا ليقيم به‬     ‫ليس قاط ًعا ويدخل في (المشتبهات) الواردة‬
   ‫مشرو ًعا يأخذ أرباحه وحده‪ ..‬فمن أين جاء‬          ‫في حديث رواه البخاري ومسلم عن النعمان‬
‫الشيوخ ‪-‬إذن‪ -‬بوصف الربا على فوائد البنوك‪،‬‬           ‫بن بشير‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول الله يقول‪« :‬إن‬
‫في حين أنها معاملات استثمارية بغرض تعظيم‬            ‫الحلال بين وإن الحرام بين‪ ،‬وبين ذلك أمور‬
  ‫الفائدة وليست اقتراض مبالغ صغيرة لأمور‬             ‫مشتبهات‪ ،‬فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه‬
                                                  ‫وعرضه”‪ ..‬إلخ الحديث‪ .‬لذلك ورد عن عمر بن‬
                                   ‫مل َّحة؟‬       ‫الخطاب‪ ،‬في تفسير ابن كثير للآية قوله‪“ :‬ثلاث‬
  ‫الحديث عن الختان أو فوائد البنوك –وقد قلنا‬
‫ما قلناه‪ -‬هو حديث في «الثقافة الدينية» وليس‬           ‫وددت أن رسول الله عهد إلينا فيهن عه ًدا‬
  ‫حديثًا في الدين الذي يحتاج إلى متخصصين‪،‬‬          ‫ننتهي إليه‪ :‬الجد‪ ،‬والكلالة‪ ،‬وأبواب من أبواب‬
                                                     ‫الربا”‪ ..‬وهو ما يعني أن (الربا) لم يكن فيه‬
      ‫رغم قناعتي المبدئية بأن الدين يسر ولا‬
‫يحتاج إلى هذه الأطنان من الكتب التي معظمها‬                         ‫تعريف نهائي قاطع شامل!‬
  ‫ضحل في الأفكار والتفسيرات والاستنتاجات‬              ‫الربا كلمة تعني في (اللغة)‪ ،‬كما ع َّرفه عبد‬
‫والصياعات‪ ،‬ولا إلى هذا الجيش (العرمرم) من‬          ‫الرحيم عبد الحميد الساعاتي في بحثه بعنوان‬

  ‫الشيوخ الذين يفتون في كل شيء وأي شيء‬                   ‫«العلة الاقتصادية لتحريم ربا النسيئة‬
   ‫دون علم ويرتزقون من الدين ما َّد ًة وشغ ًل‪،‬‬         ‫والفضل”‪ ،‬صفحة ‪ ،44 -43‬هو‪ :‬النماء‪،‬‬
 ‫في حين كان المسلم العادي في القرنين الأولين‬        ‫والزيادة في الشيء‪ ،‬وارتفاعه‪ ،‬وفي (الشرع)‪:‬‬
  ‫يعيش دون الحاجة إلى دار إفتاء وهيئة كبار‬         ‫ما ُيزاد على أصل البيع‪ ،‬أو ال َّدين من مال دون‬
‫علماء ومجلس أعلى للشئون الإسلامية ومجامع‬               ‫ح ٍّق‪ ،‬أو ما ُيزاد بعد م َّدة معيَّنة من الوقت‬
 ‫علمية وأكاديميات ومعاهد ورسائل ماجستير‬             ‫بلا مقابل”‪ ..‬فهل ينطبق ذلك مث ًل على زيادة‬
  ‫ودكتوراه لا تفعل شيئًا سوى نسخ المنسوخ‬            ‫سعر عقار بعد مدة من الزمن حسب العرض‬
    ‫ونقل المنقول وتشويه الواضح‪ ،‬في محاولة‬          ‫والطلب؟ الملاحظ أن (الشيوخ) حصروا فكرة‬
  ‫لاحتكار الحديث باسم الله‪ ،‬والله من كل هذا‬           ‫(الربا) في الزيادة التي يطلبها المُقرض على‬
   ‫براء‪ ،‬فلم يو ِح إلى أحد بعد النبي‪ ،‬إن هي إلا‬   ‫المقترض فوق أصل الدين باعتبار أنه استغلال‬

             ‫اجتهادات لا تلزم إلا من كتبوها‬                                        ‫لحاجته‪.‬‬
                                                  ‫لكن تطور الاقتصاد وحركة الأموال في العصر‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13