Page 151 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 151

‫حول العالم ‪1 4 9‬‬

                  ‫مزدوجة‪.‬‬          ‫ثانيًا في شعره حين يقوم‬
 ‫غير أن ما لم يتم إدراكه هو‬         ‫بتجميع الأشياء في شكل‬
  ‫أن الأصناف الروائية تغزو‬
‫السيناريو البودليري؛ «نهاية‬            ‫إدراك إشعاعي للمادة‬
                                 ‫متكدسة‪ ،‬متكثفة كما لو أنها‬
    ‫الدون جوان» وعلى الأقل‬
    ‫الشذرة التي تم إيصالها‬          ‫على ركح ملتهب بالألوان‬
  ‫إلينا تنتهي بمزيج ستاندالي‬          ‫والأضواء بالتمويهات‬
‫غريب؟ فالدون جوان يتحدث‬                ‫موسومة هنا أو هناك‬
  ‫شبيها بموسكا‪ ،‬في الكلمات‬
   ‫القليلة التي يتبادلها الدون‬    ‫بفخامة الاصطناعي بجميع‬
    ‫جوان مع خادمه يسيطر‬          ‫أوصاف اللوحات التشكيلية‬
    ‫مناخ عام هو نفسه مناخ‬       ‫وأخي ًرا بفضاء مأهول بالأداء‬
‫الحوار في الرواية‪ ،‬أين يحافظ‬       ‫التيوقراطي للرسام بنفس‬
   ‫كلام الشخصيات على هذا‬         ‫الأسلوب في المسرح (سوف‬
     ‫التلميح وهذي الشفافية‬       ‫تتكاثر اللوحات في مسرحية‬
‫المهذبة التي عادة ما نعرف أن‬    ‫«ماركيز هوزار الأول» ويبدو‬
  ‫بودلير يكسو بها كل أشياء‬
‫إبداعه‪ .‬الأكيد أن الأمر يتعلق‬       ‫كما لو أن كل شيء فيها‬
‫هنا بمس َّودة أولى ومن الممكن‬      ‫مصبوغ بأعمال ‪ Gros‬أو‬
   ‫أن بودلير قد صبغ حواره‬         ‫‪ Dlacroix‬تما ًما كمسرحية‬
     ‫بهذه الأدبية المطلقة على‬
   ‫اعتبار أنها اللغة الأساسية‬        ‫«نهاية الدون جوان» أو‬
  ‫للمسرح‪ .‬غير أننا هنا بصد‬         ‫مسرحية «السكير» اللتين‬
‫تحليل موهبة الإخفاق لا غير‬
  ‫معنيين بافتراضية مشروع‬             ‫بدتا شبيهتين بتمرينات‬
   ‫ما‪ .‬على أن الشيء الدال في‬       ‫صلب مخطط شعري أكثر‬
 ‫هذه المرحلة من المخاض هو‬         ‫منه تصمي ًما مسرحيًّا بأتم‬
    ‫أن السيناريو يتخذ صفة‬
 ‫الأدبية مصقو ًل بلا حلق ولا‬                 ‫معنى الكلمة)‪.‬‬
                                  ‫هكذا انتقلت المسرحية عند‬
                     ‫أمعاء‪.‬‬       ‫بودلير من عالمها المسرحي‬
 ‫في كل مرة تتم فيها الإشارة‬
                                    ‫لتمتد في بقية أعماله عبر‬
      ‫للأزمنة والأمكنة فذلك‬            ‫اتجاه معاكس لكن في‬
 ‫إثبات على رعب المسرح‪ ،‬ذلك‬
                                   ‫نفس الوقت فاضح يصب‬
   ‫المسرح الذي يمكننا تخيله‬      ‫عناصر فوق‬
  ‫على الأقل في عصر بودلير‪.‬‬
   ‫الفصل‪ ،‬المنظر هي وحدات‬          ‫درامية في‬
                                ‫مشاريع هذي‬
    ‫يتخلص بودلير منها بكل‬
      ‫سرعة‪ ،‬يتجاوزها دائ ًما‬      ‫المسرحيات‬
                                 ‫بما يشير إلى‬
‫ويؤجل النظر فيها لوقت آخر‬
                                   ‫أن المسرح‬
                                   ‫ينشغل في‬
                                 ‫تدمير نفسه‬
                                    ‫من خلال‬
                                 ‫حركة إفلات‬

                                      ‫وتسمم‬
   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156