Page 152 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 152

‫العـدد ‪28‬‬          ‫‪150‬‬

                                                   ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬  ‫حتى يستطيع السيطرة عليها‪،‬‬
                                                                 ‫فتارة يشعر أن هذا الفصل‬
‫(لا طقسي عند إسخيليوس‪ ،‬غير المطلعين على التيبولجية‬
                                                               ‫قصير ج ًّدا وطو ًرا يراه طوي ًل‬
‫إدارة ممثلين عند موليار)‪ :‬الكلاسيكية في استعمالات‬               ‫ج ًّدا‪ .‬ففي مسرحية «الماركيو‬
                                                               ‫هوزار الأول‪ ،‬الفصل الثالث»‬
 ‫هذا المسرح ُمفكر فيه كما لو السينما‪ .‬ذلك أن الممثل في‬
‫أنه تح ُّو ٌل قطعي‪ ،‬مفروض حقيقته هو نتاج شخصية‬                   ‫يستخدم الفلاش باك وهي‬
‫بحكم مبدأ الإبداع ذي الطابع روائية وليس حل ًما جسد ًّيا‬          ‫تقنية لا تستعملها اليوم إلا‬
‫(كما حدث لابن الدون‬         ‫الرمزي «ماركيز هوزار‬                  ‫السينما‪ ،‬وفي «نهاية الدون‬
                                                                  ‫جوان» المكان متجول غير‬
‫الأول» أو الطابع الوجودي جوان الذي لعبت دوره فتاة‬                ‫ثابت‪ ،‬هو عبارة على مسلك‬

‫أو زوجة السكير التي هي‬      ‫«السكير»‪.‬‬                               ‫بين المدينة والريف فاقد‬
                                                                ‫الحس شبيه بالمسرح المجرد‬
‫موضوع سادية) لم يكن في‬      ‫ذات مرة قال بودلير‪:‬‬
                                                                   ‫(فاوست)‪ .‬يتفجر عمو ًما‬
‫«أعترف أنني لم أفكر إطلا ًقا حاجة على الإطلاق إلى عمق‬              ‫هذا النوع من المسرح من‬
                                                                 ‫خلال بذرته الأولى‪ ،‬يتلولب‬
‫الخشبة ليكون‪ ،‬فهو جزء من‬    ‫في الإخراج»‪.‬‬                          ‫كما لو أنه عنصر كيميائي‬
                                                                ‫في الموضع الخطأ‪ ،‬يتج َّزأ إلى‬
‫هذا شكل من السذاجة الذي بنية شعورية أو اجتماعية لا‬               ‫لوحات (بالمعنى التصويري‬
                                                                 ‫للكلمة) أو إلى حكايات‪ .‬ذلك‬
‫لا يمكن أن يفصح عنه أقل صلة لها إطلا ًقا بعلم التشكل‪،‬‬               ‫أن بودلير بخلاف رجل‬
                                                                  ‫المسرح المختص عوض أن‬
‫دراماتورجي خبرة وهو ما لا هو علامة سردية خالصة كما‬             ‫ينطلق من الركح يتخيَّل قصة‬
                                                                  ‫سردية بأكملها‪ .‬من وجهة‬
‫يعني أن سيناريوهات بودلير تستوجبه الرواية أو السينما‪.‬‬            ‫نظر جينية ليس المسرح إلا‬
                                                                 ‫هذا التكثيف الذي ينتج عن‬
‫غريبة تما ًما عن جماليات ما الذي يتبقى من المسرحة‬                  ‫تخييل مداره ُمعطى أولي‬
‫العرض‪ ،‬لكن بالنظر إلى ما الحقيقية في مشاريع بودلير؟‬            ‫دائ ًما ما يكون ذا طابع حركي‬

‫تنتمي إليه من عوالم تخييلية لا شيء‪ ..‬سوى ما يمكن‬

‫فليس ذلك هو المسرح‪ ،‬بل اعتباره لجو ًءا للمسرح‪ ،‬فكل‬
‫هي السينما التي بإمكانها شيء حدث كما لو أن مجرد‬

‫أن تحقق نجاحها‪ ،‬ذلك أن نية كتابة شيء من الدراما‬

‫السينما تعتمد على الرواية أرضت شغف بودلير وأعفته‬

‫وليس على المسرح‪ ،‬الأماكن من تغذية مشاريعه بمادة‬

‫مسرحية حقيقية ممتدة عبر‬     ‫المتجولة والفلاش باك‪،‬‬

‫غرائبية اللوحات‪ ،‬التفاوت العمل‪ ،‬لكنها غير مقبولة‬

‫الزمني في المقاطع‪ ،‬باختصار في المواضع الوحيدة التي‬

‫هذا الاضطراب في يمكن أن تزدهر فيها وتكتمل‬

‫عرض السرد والذي نهائيًّا‪.‬‬
‫ذلك أن هذا المسرح الذي‬      ‫يشهد به ما قبل‬

‫المسرح عند بودلير هذا اعتقد بودلير لوهلة أنه أمسك‬

‫بالضبط ما تحتاجه به فإنما ع َّجل بمنحه الخطوط‬
‫السينما لتخصيبها الأكثر وضو ًحا للإفلات منه‬
‫مما أحدث بعد ذلك‪ ،‬بذاءة‬     ‫بشكل نقي تما ًما‪.‬‬
 ‫ما‪ ،‬تعددية ما (وهو أمر‬     ‫إ ًذا ودون أي شك‬

‫فـ»الماركيز هوزار مستغرب نظ ًرا لأناقة بودلير‬
‫الأول» هي سيناريو الرفيع) تبدو في الظاهر‬

‫مجلوبة من الرغائب المنسوبة‬  ‫متكامل‪ .‬وهو ما‬

‫للعامة؛ خداع (أوديوني)‬      ‫ليس في استطاعة‬

‫ممثلي هذي الدراما للوحات الضخمة (حرب‪،‬‬
   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157