Page 149 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 149

‫حول العالم ‪1 4 7‬‬

  ‫جسدها عن ميل إلى الطاعة‬               ‫متوفرة على موهبة ذهنية‬            ‫شعبية متنوعة»‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫والهشاشة بما يجعلها عرضة‬             ‫روحية‪ ،‬كافية؛ منتشرة بغاية‬          ‫هذا الهوس بكل ما هو‬
‫للاغتصاب ثم للقتل‪ .‬يشترط‬                                                 ‫إجرائي خارجي يتعمد‬
                                         ‫تجميعها بشكل جيد وفي‬          ‫ضربات متدافعة‪ ،‬كما لو‬
    ‫بودلير في الممثل‪ ،‬الدعارة‬               ‫نفس الوقت تشتيتها‪.‬‬          ‫أنه ندم متعجل‪ ،‬لا يعبر‬
‫(ففي النهاية ُك ٌّل يتل َّذذ بشيء‬           ‫إ ًذا؛ لا شيء يمكن أن‬    ‫عن أي مسرحة مع َّمقة إنما‬
 ‫ما سواء في عرض مسرحي‬                                                ‫هو في المقابل ذلك الانطباع‬
                                        ‫يتعارض مع الدراماترجيا‬           ‫البودليري في شموليته‬
    ‫أو حفل راقص) لن يمكن‬               ‫أكثر من الحلم‪ ،‬ولأن بذور‬      ‫غريب عن المسرح؛ فبودلير‬
‫الإحساس بفينوسيتها كما لو‬                                              ‫كعادته في مواضع أخرى‬
 ‫أنها سلوك طاريء‪ ،‬ديكوري‬                   ‫المسرح الحقيقي كانت‬        ‫ذكي ج ًّدا يب ِّدل مفهومه في‬
                                       ‫دائ ًما حركات تهتم بالأخذ‬      ‫كل مرة حسب ما تتاح له‬
   ‫(عكس الإخراج «المتحرك»‬                ‫والإبعاد؛ سريالية أشياء‬      ‫الفرصة‪ :‬الفكرة في الحانة‬
   ‫عكس حرمات البوهيميين‬                  ‫المسرح‪ :‬حواسه وليست‬         ‫الريفية لـ»السكير»؛ المكان؛‬
    ‫وأجواء الحانات الريفية)‬           ‫حلمية ذهنية‪ .‬فحين يتحدث‬          ‫مادية الرايات أو الأزياء؛‬
 ‫ولكنها ضرورية كما لو أنها‬           ‫بودليرر عن الاخراج فذلك لا‬        ‫التص ُّور السطحي للأبهة‬
  ‫تج ٍّل لشك ٍل أ َّول ٍّي من أشكال‬   ‫يعني بالضرورة أنه الأقرب‬        ‫العسكرية‪ ..‬وعلى النقيض‬
    ‫الكونالبودليري ألا وهو‪:‬‬              ‫إلى المسرح الحسي‪ .‬ربما‬      ‫من ذلك لا شيء ُيثبت فع ًل‬
                                        ‫أمكننا الحديث عن التعبير‬    ‫العجز أمام المسرح أكثر من‬
                      ‫المكر‪.‬‬            ‫الجسماني الذي قد ُيزعج‬        ‫هذا التعامل الشمولي معه‪،‬‬
    ‫جسد الممثل مصطنع غير‬                ‫الممثل‪ ،‬عن الاحساس‪ ،‬عن‬      ‫الشبيه بالرومنطيقي والذي‬
     ‫أن ازدواجيته هذه أعمق‬                                           ‫أقل ما يقال عنه غرائبي في‬
    ‫من ازدواجية الديكورات‬                ‫الاضطراب‪ .‬فذلك هو ما‬         ‫رؤياه‪ .‬ففي كل م َّرة يل ِّمح‬
  ‫المصنوعة أو الأثاث المُر ّكب‬            ‫ينتمي للمسرح الأصيل‬        ‫فيها بودلير للإخراج يؤكد‬
                                       ‫عند بودلير الذي اقترح أن‬    ‫أنه يراه بعفوية عيني المتفرج؛‬
        ‫للمسرحية‪ :‬التمويه‪،‬‬            ‫تؤدي دور ابن الدون جوان‬         ‫مكتم ًل‪ ،‬غير قابل للتعديل‪،‬‬
      ‫استعارات الحركات أو‬                ‫فتاة حيث لا يبدو البطل‬          ‫نظي ًفا ج ًّدا‪ُ ،‬مهيَّأً يشبه‬
    ‫النبرات‪ ،‬جاهزية الاشياء‬          ‫محا ًطا بمجموعة من النسوة‬        ‫أك ًل تم إعداده بشكل جيد‬
    ‫للعرض؛ كل هذا احتيالي‬                ‫الجميلات المكلفات بمهن‬       ‫مستعر ًضا كذبة مشتركة‬
   ‫لكنه غير مزيف أو مختلق‬             ‫خدمية؛ بينما تكشف زوجة‬            ‫أسعفها الوقت لمحو آثار‬
‫بما يجعله يع ِّزز ذلك التجاوز‬        ‫السكير من خلال تعاملها مع‬        ‫خدعتها‪ .‬ولنأخذ مثا ًل على‬
  ‫الشفاف ذي المذاق الشهي‪،‬‬                                          ‫ذلك «لون الجريمة»‪ ،‬لقد كان‬
      ‫الأساسي والذي يحدد‬                      ‫رولان بارت‬             ‫ضرور ًّيا في الفضل الأخير‬
     ‫بودلير من خلاله تأثير‬                                            ‫من «السكير»‪ ،‬وهو حقيقة‬
   ‫الفردوس المصطنع‪ :‬يحمل‬                                             ‫نقدية وليس دراماتورجية‪.‬‬
 ‫الممثل في داخله الدقة العالية‬                                      ‫لا يمكن أن يتأسس الإخراج‬
‫للعالم المتتالي‪ ،‬كما هو الشأن‬                                           ‫في لحظته الأولى إلا على‬
  ‫في عوالم «الحشيش» حيث‬                                                 ‫تعددية الأشياء وأدبيتها‬
    ‫لا شيء ُمبتكر‪ ،‬كل شيء‬                                              ‫مرفوقة بحلمها المزدوج‪،‬‬
   ‫موجود من خلال التك ُّثف‬

                 ‫المتضاعف‪.‬‬
      ‫بإمكاننا ومن خلال ما‬
  ‫تقدم التكهن أن بودلير كان‬
   ‫لديه ذلك الإحساس الحاد‬
   144   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154