Page 153 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 153

‫حول العالم ‪1 5 1‬‬

     ‫باعثًا للارتياح في نفس‬       ‫يمكن أن يحققه؛ ُمص ِّورا‬       ‫مرور إمبراطور‪ ،‬حفل في‬
    ‫بودلير أفضل من تمجيد‬        ‫هذا الوضع المسرحي بكل‬           ‫حانة ريفية‪ُ ،‬مخيم للغجر‪،‬‬
    ‫سانت بوف أو الطمع في‬        ‫دقة بنى بودلير مشاريعه‬        ‫جريمة معقدة) كل ما ُيحيل‬
     ‫الالتحاق بالأكاديمية أو‬   ‫وإخفاقاته إلى أن اكتمل هذا‬       ‫على جمالية الفظ‪ ،‬مقطو ًعا‬
‫انتظار وسام جوقة الشرف‪.‬‬       ‫القتل الخالص للأدب‪ ،‬ونعلم‬       ‫عن حوافزه الدرامية أو‪ ،‬هو‬
‫من هنا تم ُّسنا مشاريع هذا‬    ‫جي ًدا أن هذا القتل كان ومنذ‬
 ‫المسرح بعمق‪ .‬إنها جزء من‬        ‫زمن مالارميه قلق الكاتب‬          ‫شكلية اللحظة المسرحية‬
 ‫بودلير‪ ،‬من داخله‪ ،‬من هذه‬                                       ‫ُمد َركة من خلال تأثيراتها‬
 ‫السلسلة المتعددة والتي من‬               ‫الحديث ومبرره‪.‬‬
 ‫خلالها يتجدد نجاح «أزهار‬      ‫إ ًذا‪ ..‬وقد تخلَّت عن المسرح‬      ‫الأكثر تمجي ًدا لحساسية‬
                              ‫المسرحة فشرع يبحث له عن‬             ‫البورجوزاية الصغرى‪.‬‬
      ‫الشر» كفصل لا مزية‬        ‫ملاذ في كل مكان‪ ،‬وإذا به‬     ‫وطالما المسرح هو بهذا الشكل‬
  ‫للموهبة عليه أقصد الأدب‬       ‫يتحول إلى شكل اجتماعي‬         ‫سوف يعمل بودلير من أجل‬
                               ‫وقح‪ ،‬وهو ما سماه بودلير‬           ‫تحصين المسرحة‪ ،‬فلديه‬
                     ‫طب ًعا‪.‬‬  ‫ذات يوم التذبذب كدلالة على‬        ‫شعور أن التحايل الجميل‬
      ‫كان لا بد من الجنرال‬                                     ‫مهدد بالأسلوب الغوغائي؛‬
  ‫‪Aupick Ancelle‬وكان لا‬           ‫ما نسميه اليوم الالتزام‪.‬‬    ‫لقد أخفاها (المسرحة) بعي ًدا‬
‫بد من تيوفيل غوتييه‪ ،‬سانت‬      ‫وفق هذي الحركة الخالصة‬            ‫عن الركح‪ ،‬منحها لجو ًءا‬
  ‫بوف‪ ،‬الأكاديمية والمسرح‬                                       ‫في عزلة أدبه‪ ،‬في أشعاره‪،‬‬
‫الأوديوني‪ ،‬كان لا بد من كل‬           ‫(هي خالصة لأنها لا‬           ‫في محاولاته النقدية‪ ،‬في‬
   ‫هذه المجاملات والتي هي‬         ‫تعبر سوى عن نية وأن‬            ‫صالوناته الأدبية‪ .‬لم يبق‬
  ‫في حقيقتها ملعونة‪ ،‬مهملة‬       ‫هذا المسرح البودليري لا‬          ‫من هذا المسرح التخييلي‬
  ‫وبالكاد يمكن التفطن إليها‪،‬‬    ‫يحيا إلا بوصفه مشرو ًعا)‬        ‫غير دعارة الممثل وشهوة‬
‫كان لا بد من كل هذا ليكتمل‬     ‫يلتحق بودلير مجد ًدا بهذي‬       ‫الجمهور للأكاذيب (وليس‬
‫عمل بودلير‪ ،‬لهذا كان الخيار‬        ‫الاجتماعية على الصعيد‬          ‫المكر) وللإخراج المف َّخم‬
  ‫مسئو ًل على اعتبار أنه قدر‬     ‫الإبداعي بغاية تثبيتها ثم‬     ‫للكلام‪ُ .‬مبتذل هذا المسرح؛‬
                                 ‫الإفلات منها وفق جدلية‬          ‫غير أنه ابتذال متمزق في‬
                  ‫ذو شان‪.‬‬     ‫اختيار كان سارتر قد توسع‬       ‫حدود أنه مراقب في تسييره‪،‬‬
  ‫سوف نحب «أزهار الشر»‬             ‫في تحليلها بشكل دقيق‬        ‫مبتور عن قصد من كل ما‬
                                                               ‫هو عمق شعري أو درامي؛‬
    ‫أقل إذا لم ندمج في قصة‬                      ‫ونهائي‪.‬‬
‫مبدعها هذي الهواية الفظيعة‬       ‫تقديم دراما لـ»هوستين»‬             ‫مقطوع عن كل تخيًّل‬
                               ‫مدير مسرح ‪ la Gaité‬كان‬
                   ‫للفظاظة‬

                                                   ‫هامش بقلم رولان بارت‪:‬‬

‫نعرف أن لبودلير ‪ 4‬مشاريع مسرحية‪ :‬الأول أيديوليس أو (مانوال) موزون وغير مكتمل كتبه بودلير رسنة ‪( 1843‬حين كان عمره‬
  ‫‪ 22‬سنة) بالتعاون مع آرنست برارون‪ .‬بقية المشاريع الثلاثة الأخرى كانت سيناريوهات وهي (نهاية الدون جوان) لم يكن سوى‬

‫بداية لفكرة و(الماركيز هوزار الأول) وهو عبارة عن دراما تاريخية كان بودلير يتحدث فيها عن دراما لأحد أبناء المهاجرين وولفانغ‬
   ‫دي كادول ممزق بين مبادئ الوسط الذي عاش فيه وطموحاته نحو الإمبراطور وأخير «السكير» وهو العمل الأكثر بودليرية من‬
  ‫الأعمال الأخرى‪ ،‬وهو حكاية جريمة‪ ،‬عامل سكير متكاسل يقتل زوجته ويرمي بها في بئر ثم يردم البئر بالحجارة‪ ..‬وتعتبر دراما‬
  ‫«السكير» توسعة للفكرة المُشار إليها في قصيدة «خمر المجرم» الواردة في «أزهار الشر»‪ُ .‬نشرت هذي المشاريع المسرحية في طبعة‬
                                                                     ‫كريبيه والبلياد والأعمال الكاملة لبودلير ونادي أفضل كتاب‪.‬‬
   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157   158