Page 89 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 89

‫‪87‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

   ‫متاحة لي‪ ،‬لم يكن صوت نشيجي يفسد عليهم‬            ‫منهم‪ ..‬قد تكون أمه رأس الحربة أو هو أو أبوه‪..‬‬
 ‫متعة مشاهدة مبارة السوبر بين الأهلى والزمالك‬          ‫يتبادلون الأدوار‪ ..‬بحيث لا يزيد الضغط حتى‬

    ‫أو مصارعة المحترفين‪ ،‬أو فيلم «محمد سعد»‬          ‫يصل إلى الانفجار‪ ،‬الدائرة دائمة‪ ،‬مغلقة‪ ،‬محكمة‪،‬‬
‫الجديد‪ ،‬لم يكن يحلو له أن ينام معي إلا بعد هذه‬         ‫ودائ ًما أنا‪ ..‬سرحانة‪ ،‬مشوشة‪ ،‬لم أركز‪ ،‬فهمي‬
                                                      ‫بطيء‪ ،‬لا أنفذ المطلوب تما ًما‪ .‬أفعل كل شيء إلا‬
     ‫المشادات وجلسات التعذيب‪ ..‬في اليوم الرابع‬         ‫كثي ًرا‪ ،‬لا شيء تمام‪ ،‬لا شيء مما أفعله يرتقي‬
‫لزواجنا دخلت أستريح بعد الغداء‪ ،‬وفجاة شعرت‬
                                                    ‫للمستوى المتوقع‪ ..‬يص ِّدرون لي الإحساس الدائم‬
    ‫بجسد يرتطم بي‪ ،‬صحوت فزعة‪ ،‬اصحي‪ ،‬ايه‬             ‫بالخسارة‪ ،‬وأنني دون المستوى ودون التوقعات‪..‬‬
  ‫ده نايمة ليه؟ قومي اعملي لي شاي‪ ..‬انتفض كل‬
 ‫جسدى‪ ،‬ظللت أرتجف وأنا لا أعي أين أنا‪ ،‬وسط‬              ‫وبكل استسلام تشوهت صورتي لد َّي‪ ..‬كنت‬
 ‫ارتجافي الذي لم تس ِّكنه كل محاولاتي للتماسك‪،‬‬      ‫كطفل‪ ..‬يزرعون فيه الإحباط وعدم الثقة‪ ..‬كما لو‬

      ‫وجدت نق ًطا من البول في ملابسي الداخلية‪،‬‬        ‫أنني في معسكرات تعذيب‪ ..‬في جهاز مخابرات‪..‬‬
    ‫قدمت له الشاي وجلست متكومة على نفسي‪،‬‬                  ‫لم يحتاجوا منى لاعترافات‪ ..‬كان كل شيء‬
 ‫قبل أن يكمل كوب الشاي‪ ،‬اقترب مني وسحبني‬
    ‫لغرفتنا‪ ..‬نام فوقي‪ ،‬كان ثقي ًل‪ ..‬ثقي ًل‪ ..‬وكان‬      ‫في حياتي واض ًحا وصري ًحا‪ ..‬حكيته له عندما‬
‫جسدي ما زال يرتجف خو ًفا‪ ..‬وعضوه يخترقني‬              ‫التقينا‪ ..‬وكل ما كنت أرويه بصدق وعفوية كان‬
 ‫ويضاعف من خوفي وألمي كسوط جرح ويضيف‬
     ‫عليه مزي ًدا من الملح‪ ،‬خفت أن أبكي‪ ،‬أصابني‬         ‫يأخذه ضدي‪ ..‬يوظفه للاستشهاد على صحة‬
 ‫الخرس‪ ،‬بعد أن انتهي نزل عني ونام‪ .‬وبقيت أنا‬        ‫موقفهم ونظرتهم الدونية لي‪ ،‬رغم تملقهم الشديد‬
‫مستيقظة‪ ..‬والدموع فقط هي الشيء الحي الوحيد‬
                                                        ‫لأبي والمباهاة بصهرهم اللواء السابق في أمن‬
      ‫الذي يتحرك ف َّي بشكل خ ِّطي‪ ،‬بينما عضوي‬          ‫الدولة‪ ،‬والحديث الممطوط لأقاربهم عن أطيان‬
 ‫وكل خلاياي تتحرك حركات مضطربة مرتجفة‪،‬‬
                                                          ‫عائلتي في المنيا‪ ،‬أمام الناس فخر واستقواء‪،‬‬
                        ‫حركات دائرية متتخبطة‪.‬‬       ‫ووحدي أستمع لانتقادات ومعايرات‪ :‬وهو سيادة‬
     ‫في أول الأمر كنت أدافع عن نفسي وأشترك‬          ‫اللواء اتحال معاش مبكر ليه؟ تعذيب أم اختلاس؟‬
 ‫بجدية في دائرتهم‪ ،‬أحاول أن أدافع عن موقفي‪..‬‬        ‫هو أنتم محتاجين‪ ،‬لكن الإنسان عينه فارغة‪ ،‬لازم‬
   ‫أوضح وجهة نظري‪ .‬لكن بعد موقف‪ ..‬اثنين‪..‬‬
 ‫ثلاثة‪ ..‬عشرة‪ ..‬انسحبت من الدائرة‪ ،‬وجدتهم لا‬           ‫يحاكموا كل رموز النظام الفاسد‪ ،‬حتى لو على‬
  ‫يسمعون‪ ..‬مهما قلت لا يسمعون‪ ..‬كأنهم محطة‬          ‫المعاش هيتحاكم هيتحاكم‪ ..‬لم تكن هناك مقدمات‬
  ‫بث إذاعي لا يوقفها غير فصل الكهرباء‪ ،‬وكانت‬
  ‫طاقاتهم لا تنفذ وقدرتهم على الجدل لا تنتهي‪..‬‬          ‫أو مواعيد منضبطة لجلسات التقويم النفسي‬
      ‫بدوا ككائنات فضائية‪ ..‬مضبوطة على تردد‬           ‫التي أتلقاها‪ ،‬لم يكن هناك نظام أو ترتيب معين‬
‫معين‪ ..‬وكنت أستنزف طاقتي‪ ،‬أعصابي وصوتي‪،‬‬              ‫للخناقات‪ ..‬فجأة يتصاعد صراخ من فم أحدهم‪،‬‬
  ‫وأنجر معهم لمستنقع تغوص أقدامي فيه‪ ،‬لكسر‬             ‫وفجأة تهدأ العاصفة‪ ،‬وتسترد وجوههم راحة‬
    ‫الدائرة الكهربية‪ ..‬لم يكن صمتى كافيًا لفصل‬       ‫مقبضة‪ ،‬ويتلقي جلدي ابتسامات‪ ،‬وبريق أسنان‬
‫الدائرة‪ ،‬لقطع التيار‪ ..‬كان وجودي ذاته هو المكمل‬     ‫وكلمات‪ ..‬يا حبيبتي‪ ،‬خدي بالك‪ ،‬احنا عارفين إنك‬
   ‫للدائرة الجهنمية‪ ،‬لم يكن هناك من حل غير أن‬          ‫مش هتعملي كده تاني‪ ،‬اعملي لنا بقى كوبايتين‬
                                                      ‫شاي‪ ..‬فين علبة البتيفور؟ كنت أرتجف‪ ،‬داخليًّا‬
               ‫أفتح الباب وأخرج‪ ،‬لكني لم أفعل‪.‬‬       ‫وخارجيًّا‪ ،‬ترتعش يدي‪ ،‬أنسحب للمطبخ‪ ،‬أو أظل‬
                                                      ‫جالسة في مكاني‪ ،‬تنهمر الدموع مني‪ ،‬على نفس‬
                  ‫‪---------------‬‬                   ‫الكرسي‪ ،‬ولا أحد يراني‪ ،‬كأنه لم يحدث شيء‪ ،‬في‬
    ‫مقطع من رواية لم تنشر بالاسم نفسه‪.‬‬                ‫كثير من المرات كنت أبكي حتى أتعب من البكاء‬
                                                    ‫وأصمت وحدي‪ ،‬دون اعتذار أو طبطبة‪ ،‬هذا الدلع‬
                                                      ‫أو الدلال الذي يجعل البعض يبكي كي يتعاطف‬
                                                    ‫معه المحيطون به أو يشفقوا عليه‪ ،‬رفاهية لم تكن‬
   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94