Page 84 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 84
العـدد 28 82
أبريل ٢٠٢1
صفاء النجار
كسر الخاطر
لم تكن لتجد ق ًّطا روميًّا يسخر من جهودها، الليلة ..الليلة ينتهي كل شيء ..لم أعد أحتمل..
أو قطة شيرازية تسخف من حروقها وطريقة الثقل يضغط على روحي ،جسدي ،لا أتنفس
مسكها لأبنائها من ظهورهم ..لم أكن يو ًما قطة
أو تمساحة أو غزالة ..كنت امرأته فحسب ،لم أكسجين بل عادم وعوادم وعدم ..لكل الأشياء
أكن والدتهما ،لكن الطبيعة عاندتني فلم ت ْص ُف له بداية ،لكن النهاية بعيدة بعيدة ،الأيام تكرارات
امراته ولم تن ُج الوالدة. للألم وللمهانة ،انقطع خيط الأمل ،انقطع منذ
منذ الليلة الأولى لميلاد «شريف» ،أخذته أمه، سنوات لكن قطاري يتحرك على قضبانه بالدفع
حماتي ،نام في حضنها ،وأنا نمت بجواره في
سريره ،كأن شيئًا لم يحدث ،كأني كنت أمثل، الذاتي ،وتنقضي أيامي بالعجز ،وبالإرادة.
كأن شهور حملي لم تكن حقيقة ،كأني ذهبت هذه هي الفرصة الوحيدة لكي يكونا معي ،أن
للمستشفى وعدت من قسم التجهيزات والهدايا نمضي سو ًّيا ،أن نرحل عن هذا العالم الذي لا
بعروسة بلاستيكية وليس كائنًا حيًّا له متطلباته تييح لي فرصة أن أمارس أمومتي ،هناك لن تكون
واحتياجاته ..كأنه سينمو بمفرده دون أن أضحي هناك رقابة ،فقط عين الله الرحيمة وقلبه الأم،
حتى بليلة أنام فيها بعي ًدا عن سريره ،بعي ًدا عنه، هناك سيلهمني الله وسأتعلم كيف أكون أ ًّما ،دون
لم يطلب صراحة أن أترك الطفل لحماتي ،لكنه تشويش دون صخب ،تستقيم الأشياء المعوجة،
قال« :أنت تعبانة ،اتركيه الليلة لماما علشان تعرفي أعود للفطرة التي شوهتها الضغوط والخوف
تنامي وتستريحي» .وأنا ببراءة وثقة صدقته، من الفقد ،خوفي عليهم جعلني أستجيب مرغمة
كان مقن ًعا وكلامه مرتبًا ،لكنه لم يكن منطقيًّا. لضغوطهم وأترك لهم طفليَّ ،تركتهما كثي ًرا ،لم
ومنذ ليلة الميلاد الأولى وضع القاعدة ،أن أتخلى أمت لأني أبعدتهما عني وهذه هذه المشكلة ،عندما
عن الطفل لأمه ،المهم أن ينام دون أن يزعجه لا نعاقب على الخطأ في الت ّو ،في اللحظة ،لا نعرف
فيما أخطأنا ،و يظل الخطأ كامن في باطن الأرض،
أحد.. ينمو كل يوم تغذيه التفاصيل الصغيرة ،تزيده
من أي عبء كنت أتخلص؟ لم أكن أتخلص من الأيام قوة صلابة ..الخيانات ،التواطؤ ،الإهمال،
أي عبء ،لم تكن الأمور واضحة لي ،لم أفكر في
الأمر ،روحي وعقلي كانا مساحة بيضاء خالية الوعود الزائفة بالمقاومة وأنها ستكون آخر
من أي ظلال لشك أو خوف أو لهفة ،مساحة مرة ،أننا لن نتخاذل ثانية ،نظن أن ابتعادنا عن
ساكنة ليست لافحة حارة ولا باردة ثلجية، المواجهة سيجعل السفينة تمضي.
بيضاء فحسب ليس فيها ما يؤذي أو يجرح أو لد َّي من التعب والجروح ما يكفي ،لن أتحمل
يفاجئ ،دون معنى للأشياء ،دون دلالات ،دون مزي ًدا من الخسائر ..كل مواجهة خسارة ،تعللت
بالظروف ،لم أكن حتى قطة ..تهرب من النار
وتخرج بأولادها ،القطة أفضل مني ،لكن القطة