Page 88 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 88

‫العـدد ‪28‬‬   ‫‪86‬‬

                                                     ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

       ‫عصبيًّا ونفسيًّا‪ ،‬الاستحواذ هو هدفه‪ ،‬لفت‬                                               ‫زحمة‪.‬‬
‫الانتباه‪ ،‬لست حبيبته‪ ..‬أنا فقط من تتحمل غضبه‪.‬‬                   ‫قبل ميلاد «شريف» ورثت أمه بيت في‬
                                                         ‫«بورسعيد» وخشيت أن يستولي عليه أخوتها‬
  ‫تتقلص دوائر علاقاتي‪ ،‬مع ابني‪ ،‬أبي‪ ،‬قريباتي‪،‬‬        ‫فقرروا فجأة نقل حياتهم لبورسعيد‪ ..‬اعتقدت أن‬
   ‫زميلات العمل‪ ،‬لتبقى دائرة واحدة هي دائرته‬          ‫هذا سيريحني من كثير من المنغصات الصغيرة‪،‬‬
                                                       ‫وسيجعلني أتحكم في حياتي‪ ،‬ولكن ما حدث أن‬
‫فقط‪ ،‬هربنا من كل المدن‪ ،‬كي أبقى له وحده‪ ..‬لكن‬             ‫الحياة بتفاصيلها أصبحت ممتدة من المعادي‬
                        ‫جوعه لم يكن يشبع أب ًدا‪.‬‬       ‫إلى بورسعيد وزاد عليها إرهاق السفر كل نهاية‬
                                                       ‫أسبوع إلى والديه‪ .‬نسافر الخميس بعد أن أعود‬
   ‫عندما يخلد للنوم أتنفس الصعداء‪ ،‬يااه‪ ،‬انتهى‬              ‫من العمل وأح ِّضر له الغداء وأنظف البيت‪،‬‬
       ‫يوم‪ ،‬بثقله وجراحاته‪ ،‬المهم أنه انتهى‪ ،‬يوم‬         ‫في الوقت الذي أجهز أنا الغداء وشنطة السفر‬
                                                        ‫يكون هو نائ ًما أو يشاهد التلفزيون‪ ..‬مستريح‪،‬‬
‫وعدى‪ ،‬الحمد لله‪ ،‬وأتمنى أن تمضي بقية الأيام‪..‬‬           ‫مستر ٍخ‪ ..‬تصدر منه تعليمات‪ :‬متنسيش المايوه‬
  ‫لكن ألفة الأيام تتوارى‪ ،‬حتى إحساسي بمكاني‬                 ‫الأزرق‪ ،‬البنطلون الرمادي غير مكوي‪ ،‬هل‬
    ‫يتلاشى‪ ،‬تنمحى من الذاكرة كل ألفة صنعتها‬            ‫اخترت مقاعد جيدة في السوبر جيت أم كالعادة‬
   ‫البهجة‪ ،‬الفرحة‪ ،‬الصخب‪ ،‬الحوادث المتلاحقة‪..‬‬         ‫استغفلوك؟ أخرج التذكرتين من حقيبتي‪ ،‬هاتيهم‬
      ‫أحداث كثيرة ومواقف وضجيج مبهج لكنه‬              ‫معي لتنسيهم‪ ،‬يرفض أن نسافر بسيارته‪ ،‬أتأكد‬
    ‫مختلف‪ ،‬شيء ف َّي غير متزن كأني في حلزونة‬              ‫من غلق جميع الشبايبك‪ ،‬لفي لي باقي اللحمة‬
   ‫لا أدري هل هذه صرخات فزع أم بهجة‪ ،‬هناك‬                   ‫في ساندوتش‪ .‬أظل أدور وأدور حتى نغلق‬
  ‫صرخات كثيرة حولي‪ ،‬لكني أعرف أنني أصرخ‬                   ‫باب الشقة‪ ..‬مجرد أن أركب «السوبر جيت»‬
   ‫فع ًل‪ ،‬وأنني خائفة ومضطربة وفاقدة لاتزاني‪،‬‬            ‫ويأخذ السائق في تشغيل الفيديو‪ ،‬يبدأ جفناي‬
        ‫حامض مر يصعد من معدتي مع كل هذه‬                 ‫في التثاقل‪ ..‬أتمنى أن أغمض عين َّي ربع ساعة‪،‬‬
                                                      ‫عشر دقائق‪ ،‬يقولون‪ :‬إن القيلولة مفيدة‪ .‬أريد أن‬
‫الشقلبات الجديدة‪ ،‬لا يبدو جسدي في حالة اتزان‪،‬‬         ‫أفصل بع ًضا من الوقت كي أعيد الشحن‪ ،‬لكنه لا‬
    ‫يتلقى ضربات من كل اتجاه‪ ،‬صفعات خفيفة‪:‬‬            ‫يستطيع أن يجلس بمفرده‪ :‬شوفتي البطل هيعمل‬
      ‫تبدو مرحة لكنها تترك بصماتها على جلدي‬            ‫إيه؟ عادل إمام ده عفريت‪ ،‬هو أحسن ولا سعيد‬
                                                     ‫صالح؟ أنتبه‪ ،‬أرد عليه‪ :‬الاتنين كويسين‪ ،‬يغضب‪:‬‬
  ‫رضو ًضا متدرجة الألوان بين الأصفر والأزرق‬             ‫الواحد حاسس إنه مش متجوز‪ ،‬أول ما تقعدي‬
     ‫والبنفسجي الغامق‪ .‬بدأت الملاحظات النافرة‬         ‫معايا دائ ًما كده عايزة تنامي‪ ،‬إيه ده خم نوم؟ ما‬
                                                     ‫تشوفي الستات عاملة ازاي‪ ،‬ومالك كده مدهولة في‬
  ‫مبك ًرا لكنى لم أنتبه‪ ..‬ربما في ليلتي الأولى‪ ،‬بعد‬   ‫نفسك‪ ،‬شوفي بتأكله في بقه ازاي؟ أصلب نفسي‪،‬‬
    ‫أن وصلنا لشقتنا‪ ،‬أخذت أمه تدخل كل غرفة‪،‬‬           ‫أخرج مندي ًل مبل ًل أمسح وجهي وأمسك ذراعه‪:‬‬
 ‫الحمامات‪ ،‬وفي المطبخ صرخت‪ :‬ما هذه الأطباق؟‬           ‫ما تزعلش‪ ،‬اسألني تاني وأنا هجاوب‪ ،‬لكنه ينطر‬
   ‫أنزلت كل الأطباق التى خصصتها للاستخدام‬               ‫ذراعي بغضب‪ ..‬وأنا أخاف أن يغضب‪ ،‬لم أكن‬
                                                      ‫أعرف ما الذي سيغضبه تحدي ًدا‪ ،‬أشياء صغيرة‪،‬‬
      ‫اليومي‪ ،‬صعدت لشقتها وعادت بعد دقائق‪،‬‬                 ‫غير متوقعة‪ ،‬ضحكة‪ ،‬كلمة‪ ،‬رأي في برنامج‬
‫ووضعت في «المطبقية» ستة أطباق بيركس عسلية‬                ‫تلفزيوني‪ ،‬أو مسلسل‪ ،‬حتى السرحان‪،.. ،.. ،‬‬
                                                     ‫اكتشفت منذ أسبوعنا الأول أنني تزوجت طف ًل في‬
     ‫اللون‪ ،‬تضايقت‪ ،‬شعرت بالحرج وعدم الفهم‬            ‫جسم رجل‪ ،‬تمنيت ألا أنجب‪ ،‬هذا الطفل يرهقني‬
       ‫لدوافع تصرفها‪ ،‬في هذه اللحظة ابتسم لي‪:‬‬
             ‫‪ -‬نحن لا نأكل في الأطباق الملامين‪.‬‬

  ‫أسنانه ناصعة البياض‪ ،‬تبرق بشكل مبالغ فيه‪،‬‬
    ‫بريقهما صاعقة ألجمتني فلم أتكلم‪ ،‬ولم أدافع‬
 ‫عن اختياراتي‪ ،‬بل شعرت بالخزي‪ ..‬بالتواضع‪..‬‬
‫وازداد فارق الطول بيننا وغطاني ظله على الحائط‬
‫المرسوم على المطبخ الخشبي‪ ..‬وكانت بداية الشك‬
    ‫والتسفيه لكل ما أقوله وأفعله‪ ..‬وعرفت معنى‬
   ‫توزيع الأدوار‪ ..‬هناك من يباغتني أو يهاجمنى‬
   83   84   85   86   87   88   89   90   91   92   93