Page 83 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 83

‫‪81‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

‫انكشفت تما ًما ثم اضطجعت على كوعها‪ ،‬وأنا خفت‬           ‫وبدا كما لو أنها بوغتت بأل ٍم جسدى ما‪ ،‬وفجأة‬
    ‫أن تتمادى وتصبح فضيحة‪ ،‬ماذا يقول العرب‬            ‫انقبضت على نفسها والتصقت بى وهمست لا بل‬
    ‫المغاوير؟! ولكن العجيب يا أخى أن المغاوير لم‬     ‫زمجرت «أمال فين الستات؟» فقلت «مفيش ستات‬
   ‫يقولوا شيئًا‪ ،‬وتعاملوا مع الأمر باعتباره عادى‬
                                                         ‫للأسف وأمى هنا مش باعتبارها ستات وإنما‬
‫و»حجات عادية عند الناس هضول»‪ ،‬والواحد يكاد‬          ‫باعتبارها تخطت للأبد كل ما يتعلق بكونها ستات»‪.‬‬
    ‫يطلع لسانه وهو بيقول «هظول»‪ ،‬ولما استلقت‬
                                                       ‫واضطجعت مراية‪ ،‬لا أذكر إن كان على المخدة أو‬
 ‫مراية مكشوفة الساقين بدا وكأنها نالت إعجابهم‬         ‫على كوعها نفسه‪ ،‬ونظرت حولها بمنتهى التحدى‬
‫جمي ًعا‪ ،‬لا وكمان «ب ّهت ب ّهت بتدير ايش!» ولكن فى‬
                                                           ‫والإصرار‪ ،‬وش َّمرت عن ساقيها حتى بانت‪،‬‬
             ‫صمت طب ًعا وبدون «م الواحد ين ّظ»‪.‬‬     ‫وأحسست أنها تفكر فى الانتقام للستات منا‪ ،‬أو على‬
   ‫وزرنا خرابة أم البريقات‪ ،‬وهى بقايا بائسة من‬
‫قرية كاملة من العصر اليونانى أو البيزنطى‪ ،‬ص ٌّف‬       ‫الأقل إثبات حضورهن الطاغي وسط هذه المعمعة‬
    ‫من الأسود المرمرية البيضاء مقصوفة الرأس‪،‬‬          ‫الرجالية‪ ،‬وش ّمرت عن‬
 ‫وأسوار متهدمة وكتل حجرية منحوتة وصف من‬             ‫ساقيها أكثر‬
   ‫الأعمدة الغائرة فى قلب الصحراء‪ ،‬وقدي ًما‪ ،‬حتى‬     ‫حتى‬
‫نهاية الستينيات‪ ،‬كان جدى عولة الله يرحمه يكمن‬
 ‫فيها البهايم المسروقة‪ ،‬وكان يربط الحمير بالذات‬
   ‫‪-‬الحمير اللى متسواش نكلة‪ -‬في رقاب الأسود‬

                     ‫الأثرية التى لا تق َّدر بثمن‪.‬‬
 ‫ولكن إذا كانت حمير جدى المسكين ب ّعرت فوق‬

   ‫الكنوز الأثرية فهناك من أكرمها ون َّعمها فى‬
‫أوروبا‪ ،‬و ُنزحت أم البريقات‪ ،‬التى كانت عبارة‬

    ‫عن قرية أو ُقل مدينة كاملة‪ ،‬على المتاحف‬
   ‫وحتى البيوت الأوروبية‪ ،‬ولم يب َق منها إلا‬

     ‫أسوار مهدمة وأسدين مبتوري الرأس‪،‬‬
  ‫ومراية زهدتها بل كرهتها سري ًعا‪ ،‬وعادت‬

                     ‫مسرعة للمارسيدس‪.‬‬
     ‫ومررنا على أثرنا الحقيقى‪ ،‬أثرنا المندثر‬
  ‫مندثر‪ ،‬أطلال سراية أم حليجة التى ُصفي‬
    ‫فيها شيوخ قبيلة الرماح الأربعين فى عهد‬
 ‫الخديو سعيد‪ ،‬ومن يومها استقروا‪ ،‬ك ُّفوا عن‬
 ‫الترحال والنهب وتح َّولوا إلى فلاحين امتلكوا‬

           ‫الأرض وزرعوها وعبدوها عبادة‪.‬‬
     ‫سراي جميلة‪ ،‬مهيبة‪ ،‬أسوارها الباقية على‬
 ‫ته ُّدمها شامخة ومتينة‪ ،‬وكانت مبلطة بريالات‬
    ‫الفضة والذهب‪ ،‬وكان لها شخشيخة تمتص‬
    ‫شعاع الشمس طول النهار وتبثه طوال الليل‬

             ‫فتتحول إلى لؤلؤة فى قلب الصحراء‪.‬‬

    ‫فصل من رواية قيد النشر بعنوان «يدي الحجرية»‪.‬‬
   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88