Page 81 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 81
79 إبداع ومبدعون
قصــة
حمدي أبو جليل
بيت أمى
وصلت أمى فى ثوب عرسها كانت «حني» طامية أكتب الآن فى بيت أُمى ،البيت الذى أحيته أمى،
ممددة على فراش الموت ،وكل ما أوصت أمى به زارته مراية أيام كان ينغش بخلق الله ،من كل
وأل ّحت عليه هو ألا تنسى أن تجذب إصبع رجلها
اليمنى الكبير بقوة عندما تموت حتى ينغلق فمها، زوجين اثنين ثلاثة أربعة ،كل الطيور وكل
وهذا ما نفذته أمى حرفيًّا وقالت« :اتصكت وكأنا الحيوانات وحتى الزواحف والحشرات المتعارف
ترباس ،على م شديت اصباع كراعها الكبير حتى على شغيها فى البيوت كانت تشغى فى بيت أمى.
انسدت من فوقت وتحت» ،وربما من باب التأثر والآن ،فى عهدى المبارك يعود حثيثًا إلى فترة أو
مات جدى عولة فى هذه الأثناء ،وعادت أمي من
ميتمه مباشرة على «ميتت» حني طامية« ..ميتت»، ُقل مأساة أو ُقل « ُمحجرة» ما قبل أمى .كان
أمى كانت تطلق كلمة «ميتت» على وفاة الإنسان، ينهار ،يندثر اندثا ًرا ،هو أسا ًسا ليس بيتًا ،بضع
وتؤرخ بها ،يوم «ميتت» فلان ويوم «ميتت علانة»، أوض أى حجرات متسعة ..متسعة ج ًّدا« ،الأوضة
وكأنه يمات أو تمات ولا يموت بنفسه أو تموت قد شقة أوضتين وصالة من بتوع القاهرة» ،ولا
بنفسها ،لا أعرف لماذا كنت أتخيل «ميتت» فى خنقة،
ميتت تعنى خنق الإنسان حتى الموت ،وكلما قالت عدلة لها ،وكلها عا ٍر أو مع َّرش بالبوص ،وكل
أوضة مخصصة لنوع من الحيوانات أو الطيور
«ميتت» أتخيلها «خنقة عنيفة لإنسان غافل». أو الزواحف إذا اعتبرنا أسراب الأرانب الرضيعة
وكل ما تذكره أمى من أيام عرسها فى بيت جدي
عيسى هو الراحة التامة ،كانت دائ ًما تقول لى رقدت العمياء الزاحفة على الأرض طوال الوقت نو ًعا
وتمطعت بمنتهى الراحة والاستمتاع ،وخجلت طب ًعا من الزواحف ،باستثناء «المنضرة» أى «المربوعة»
أن أسألها عن صومها مع أبى صباحية ُعرسهما، أى حجرة الضيافة التى تمطعت فيها مراية كما
وأعتقد أنها ميزة انفردا بها بين أزواج العالمين، لو أنها تتم َّطع أمامى الآن ..أوض بيتنا مقسمة
الأزواج يفطرون وهما صائمان حتى يستمتعا بين الحيوانات ،اتناشر أوضة ،حداشر للحيوانات
باللحظة التاريخية ،وهما تس َّحرا فى عشية العرس
وواحدة لنا ،الحقيقة اثنتين واحدة لنا والثانية
وباتا على نية الصيام. للضيوف.
قبله ،فى بيت جدى عولة كانت أمى لا تنام ،تؤ ِّكل
والأسبوع الماضى نسيت «الحنفية» التى فى صدر
وتش ِّرب وتغ ّسل وتلبِّس قبيلة كاملة ،إخوتها الصالة مفتوحة ،وظلت تصب فى البيت حتى تحول
السبعة وأبناء عمها رحيمة الثلاثة وأمها وعمتيها
إلى جزيرة وسط مستنقع من الوحل ،وأنا الآن
والبنات وضيوف عولة «اللى م ينقطعوش لا خائف أترقب فعليًّا أن ينهار علىَّ فجأة ومن كل
ليل ولا نهار» ،وقبل الشمس تكون حلبت الناقة
والجاموستين والبقرة وخ َّضت الحليب وقلعت الحوائط والزوايا والأركان.
القليعة وعملت العصيدة فى «ال ُطشت» من فرط وس َّكانه ،أسرة جدى عيسى ،كانوا يستعدون
للموت فى استسلام تام ،وخضوع أتمم لقضاء
الله وقدره .جدى عيسى مات وهو فى الأربعين
من عمره ولحقته عمتى حميدة وهى فى الخامسة
عشرة ثم عمى حامد وهو دون العشرين .وعندما