Page 85 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 85
83 إبداع ومبدعون
قصــة
ناصحة ،ملهوفة ،مسيطرة ،كل نقرات الماء كانت: حساب للخطوة والخطوات التالية ،لم أتشبث به
أنت فاشلة ،فاشلة ،فاشلة.. ولم يتشبث بي ،لم يرضع الصغير مني ،أنا التي
خفت ،خفت حتى أن ألمسه ،كان طر ًّيا لد ًنا، تميزت بأنوثة متفجرة وكان صدري بشموخه
صغي ًرا ،وكنت مرعوبة ،كل ما أفعله خطأ ،قد تحت ملابسي مصدر فخر وجذب وحسد.
يختنق في صدري ،ذراعي قد تكتم نفسه ،لا
لم يستطع طفلي أن يرضع لأن حلمتي ثدي َّي كانتا
حيلة له ،وكنت ألعوبة ،دون خبرة ،وهو لا غائرتين ،لم أكتشف هذا الموضوع أثناء فترة
يريد للصغير أن ينام في غرفتنا ،عايز أستريح.. الحمل لأنني كثي ًرا ما كنت أتغيب عن مواعيد
سكتيه ..أقضي الليلة في الصالة ،أصاب بدور المتابعة الدورية عند طبيب النساء ،وربما لم يكن
برد ،عطس ،كحة ،تصرخ حماتي في التليفون :لا.. شكلي يوحي بوجود هذا العطب ..أمتلك ثد ًيا
كده ما ينفعش ،الولد هيموت أنا سآخذه معي، جماليًّا ،لم يكن وظيفيًّا لإطعام طفلي ..حاولت،
جمعت ملابسه ،وحملت ابني مني وأنا تائهة وأوصتني الممرضة أن أدعكهما بالزيوت المرطبة
حتى يستطيع الطفل أن يأكل ويكف عن الصراخ،
ممتنة أنها تنقذ ابني من فشلي ،أي جميل طوقت
عنقي به؟! أي فضل؟! لكني كنت متعبة من العملية القيصرية وتائهة
من تأثير البنج والجرح يؤلمني ..لم أسانده ولم
كم تمنيت أن تموت ،أن ترحل ،أن تنزاح ،تتزحزح يساندني ،نظرت للرضيع كشيء غريب ..لا ،حتى
قلي ًل من صدارة المشهد ،عندما تحضر تسيطر هذه النظرة أنا أفسرها الآن ،لم يكن هناك غير
على كل شيء :متى وماذا نأكل ،متى ننام أو البلادة والفتور والهمدان ..ليس اكتئاب ما بعد
نستيقظ ،وعندما تعود لبيتها ،تفتقد الشقة الولادة ..التيه والتوهان ..النوم ..كيف يتوقع أحد
نظامها ،تعيد ترتيب المطبخ ،تتعمد إعادة ترتيب أن استيقظ وخلاياي بعيدة عني ،ليس أمامي غير
المطبخ قبل أن تسافر فتتركني مشتتة ،مبعثرة،
أهدر وقتي في البحث عن الأشياء ،تستنزف هذه الخمول حتى لا أفكر ،الكل يلوموني :أنت من
تركت طفليك ،هل يصدقون أنني لم أكن أمتلك
التفاصيل أعصابي ،فأصير منهكة بين البحث في إرادة الإجابة أو الرفض ،بدا الأمر دائ ًما وأنهم
عالم لا يستقر له مقام وبين محاولة الوصول إلى
سيوفرون الراحة لشريف أحسن مني.
طعم الأكل الذي تطبخه ،هي المعيار ،وأنا دائ ًما في أسبوعي الأول بعد الولادة كنت أتساقط من
دون المستوى حتى لو كان ما أطبخه أكثر جودة، التعب ،وصغيري لا يريد أن يرضع من صدري،
لكنه ليس طعم مسقعة ماما ،وإذا جربت أصنا ًفا لم يخرج البنج من جسدي ،كل عضلاتي واهنة،
جديدة :لا لا لا ..إحنا متعودناش الأصناف دي. لا تستطيع حمله ،تتهاوي كشجرة لبلاب ،كنت
حتى ملابسي هي التي تشتريها لي ،ملابس طفليَّ، أحتاج لدعامات ،لكن اليد التي امتدت لي ،كانت يد
تغذيتهما ،نومهما ،كنت غريبة مقيمة دائ ًما في بيت حدأة ،غراب خاطف ،مخالبها صلبة كأنها واحدة
للمغتربات حيث لا أحد يساندك أو يتواطأ معك.
الذعر هو حالتي ،ليس لد َّي القدرة للسيطرة على من الآلهة ،لا تكل ولا تتعب ،تسهر وتسهر،
لم تكن تحتاج لراحة ،وأنا منعدمة الحيلة ،ما
شيء في حياتي ،أسافر وقتما يحددون ،آكل بين الألم والضعف ،يسهل أن يتم غسل مخك،
وقتما يقررون ،لا شيء أستطيع أن أفعله سوى وتشكيلك كما يهوى الآخرون ..كانت الطرقات
خفيفة ،متصاعدة :مش هتقدري تربيه ،الولد
قطعة الباتيه الدافئة التي أضعها في الحقيبة، هيموت منك ،أنت مش أم أب ًدا ،إيه الخيبة دي،
آكلها في غرفتي ،سرقات صغيرة ،موزة ،تفاحة، حاسبي ،حاسبي ..الولد هيتخنق ،صدرك كبير
ملعقتي أرز ،كوب لبن ،قطعة كيكة ،حتى طبقي عالفاضي ،معقول تنعسي والواد مفطور من
تملوه كما تريد ،أنهي طب ًقا أكبر من احتايجي العياط..
ويظل خوائي يتمدد داخلي حتى يبتلعني. كانت الطرقات واعية متنوعة ،مركزة تبدو عفوية،
تستأثر الحدأة بشريف ،أحاول الاقتراب منه،
التواصل معه ،تصرخ :لا متأكليهوش أنا أكلته..