Page 90 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 90
العـدد 28 88
أبريل ٢٠٢1
منير عتيبة
المسلماني دخل المسجد
ويصنعن منه أقراص جلة تستخدم لإشعال أفران عندما وصل الخبر إلى الجالسين على قهوة سعداوي
الخبيز. انفجروا بالضحك ،ولو قيل لهم إن المسلماني دخل
الكنيسة لما كان تلقيهم للخبر أقل طرافة ،لولا أن بلدتنا
قيل إن المصادفة هي التى قادت جدي إلى الحظيرة لي ًل،
فرأى ما استوجب أن يتزوج محمد فو ًرا ،أما ما رآه جدي ليس بها كنيسة.
يمكن أن يص ّدق أهالي بلدتنا أن تلد البقرة جح ًشا ،أو
فلم يذكره لأحد قط ،وكان هذا مناسبًا لأن يتخيله كل ي ْص ُدق العمدة في حديثه ،أو تسقط السماء على الأرض
شخص كما يشاء ،فالشاب كان نائ ًما فوق كومة التبن دون أن تحرقها ،أو يكون لضابط النقطة قلب ..لكنهم
وتحته فتاة هى جمالات المسلماني التى تعمل في خدمة يستحيل أن يصدقوا هذا الخبر (المسلماني دخل المسجد)!
أسرتي ،وهي يتيمة الأبوين ،وليس لها في الدنيا إلا خال المسلماني هو الشخص الوحيدة في البلدة الذى لا نعرف
يسكن في بلدة بعيدة ،ولم يزر ابنة أخته قط .وقيل إن له أص ًل ولا جذور عائلية ،لم يكن فقي ًرا ،ولا خامل
الذكر ،لكن حتى هؤلاء المعدمين واللامرئيين من أهل
جدي رأى الشاب واق ًفا يحاول أن يعاشر أتان وهى البلدة يمكن أن تنسبهم إلى عائلة ما ،تعرف لهم أعما ًما
تتهرب منه حتى رفسه رفيقها فألقاه فوق كومة التبن.
أعطى جدي اسم المسلماني لمحمد ليكتب في وثيقة الزواج، وأخوا ًل ،إلا هو.
وكتب في الوثيقة مسلم لأن جمالات مسلمة ،ولم يعترض قيل إن جد أبي رآه يقف حائ ًرا على محطة القطار القريبة
أحد من مسيحيي البلدة الذين كانوا يذكرون أحيا ًنا أن
محمد اسمه الحقيقي يوحنا ،وأن عصابة خطفته مقابل من بلدتنا ،اختلفت الأقوال في سنه وقتها ،هل كان في
فدية ،ثم اكتشفت أن أهله فقراء فتركته في أول محطة السابعة أم العاشرة ،وهل كان ذلك قبل مرور جمال عبد
الناصر بالقطار وتلويحه للأهالي الواقفين لليلتين بانتظار
قطار ،وأن أحد أفراد العصابة استيقظ ضميره بعد
سنوات ،فأخبر أهل يوحنا بقصة خطف ابنهم ،وأن والده أن يقف قطار الزعيم في محطتهم فيكرمون وفادته ،أم
بعد مرور القطار بالزعيم يلوح لهم.
وإحدى أخواته البنات جاءا ليأخذاه معهم إلى القاهرة،
لكنه رفض أن يغير الحياة التى اعتاد عليها ،فوعدوه حاول جد أبي أن يعرف شيئًا من الطفل فلم يخرج منه
بزيارته من وقت لآخر ،ووعدهم أن يزورهم أي ًضا ،ولم بمعلومة مفيدة ،استنتج أنه يسكن قريبًا من محطة قطار،
وأن أهله غفلوا عنه فركب قطا ًرا نزل منه بمحطة بلدتنا،
يف أي منهم بوعده أب ًدا. واستنتج أن الولد ابن مدينة من ملابسه ،وتألم لأن الولد
استطاع محمد وجمالات أن يدخرا ليكون لهما بيت من قوي البنية ،لكنه يتعثر في نطق الحروف فتخرج من فمه
حجرتين وصالة ودورة مياه ،بسطح يمتلئ بخيرات كبصاق متناثر.
الله من الدواجن التى تربيها جمالات وتبيعها وتتاجر في لم يفكر جد أبي أن يسأل الولد عن دينه ،فالولد لم
بيضها ،وبرغم أن جمالات كانت صماء وخرساء إلا أن يعرف اسمه أص ًل ،فأطلق عليه اسم محمد ،وجاء اسم
محمد لم يتعب في التواصل معها ،وهو أص ًل نادر الكلام، المسلماني بعد سنوات من عمل الطفل محمد في حظيرة
عائلتنا حتى أصبح شا ًّبا مسؤو ًل عن الحظيرة وحده
فكان بيتهما مثا ًل للبيت الهادئ ،وكان جدي راضيًا يساعده ثلاثة رجال ،ونساء العائلة اللائي يحملن الروث
عنهما دائ ًما.
من وقت لآخر تحدث مساجلات على قهوة سعدواي ،تبدأ