Page 92 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 92

‫العـدد ‪28‬‬   ‫‪90‬‬

                                               ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

‫عبد الله السلايمة‬

‫الشاب‬

   ‫ولا يك ّف عن عبثه حتى يجدها‪ ،‬وما‬                  ‫حالة سيئة من تلك الحالات التي تصيبنا‬
   ‫أن ُتبدي استعدادها لمبادلته الحديث‬           ‫أحيا ًنا‪ ،‬فتحيلنا على الفور إلى أشخاص آخرين‬
 ‫حتى ُيسارع بتسجيل اسمها في دفتر‬
   ‫صغير‪ ،‬يبدو أنه أعده خصي ًصا لهذا‬                ‫لا نكاد نعرفهم‪ ،‬كادت تدفعني في صبيحة‬
   ‫الغرض‪ .‬حتى ُخيِّل لي عندما وجدته‬                 ‫ذلك اليوم للتجرؤ على رفض طريقة أخي‬
    ‫ُصدفة أنه يعرف كل نساء القبيلة‪.‬‬
  ‫لولا أنه بدا منزع ًجا وتص ّرف بشكل‬                  ‫الاستفزازية في إيقاظي من نومي القلق‬
 ‫أثار انتباهي‪ ،‬لكان قد و َّف َر علىَّ الكثير‬        ‫بطبيعته‪ .‬الطريقة التي كثي ًرا ما أظهرت له‬
‫من المتاعب‪ ،‬وأعفى نفسه على الأقل من‬              ‫تبرمي منها‪ ،‬لكنني ما لبثت أن فقدت ثورتي‬
   ‫الجلوس أمامي كلص انكشف أمره‪.‬‬                   ‫وتخليت عن وقاحتي المحتملة حين فاجأني‬
    ‫انتهى من صلاة ال ِعشاء‪ ،‬ر ّن هاتفه‬
    ‫فجأة‪ ،‬تظاهر بالاستغراب «من هذا‬                                          ‫قائ ًل بتأثر شديد‪:‬‬
 ‫الذي يتصل بي في مثل هذا الوقت؟»‪،‬‬                                       ‫‪ -‬الشاب‪ ،‬تعيش أنت‪.‬‬
                                                                       ‫‪ -‬مات؟ قلت مأخو ًذا‪..‬‬
    ‫لكن حينما تواصل الرنين‪ ،‬لم يجد‬               ‫وأسرعت لأتقدم موكب جنازته المهيب‪ ،‬بينما‬
           ‫أمامه َم َف ًّرا من الرد مرتب ًكا‪.‬‬  ‫تستعيد مخيلتي تفاصيل مشهد الخلاف الذي‬
                                                  ‫دار بيننا الشهر الماضي‪ ،‬وكان ينذر بوقوع‬
   ‫حاولت أن أصغى قدر ما تسمح به‬
     ‫الحشمة لي‪ ،‬لم يم ّكنني فضولي في‬                                             ‫كارثة عائلية‪.‬‬
‫البداية من استبيان حقيقة المتحدث‪ ،‬إلا‬             ‫يرفض أبي الاعتراف بشيخوخته متكئًا على‬
 ‫أن تلعثمه في الرد‪ ،‬ومحاولته التخلص‬
  ‫من الذي يتحدث إليه‪ ،‬بقوله في حدة‪:‬‬                  ‫بقايا وسامة قديمة‪ ،‬وشهوة كلما فاجأته‬
                                                 ‫رعشتها زادت من قناعته بمشروعية مطلبه‪.‬‬
       ‫«ليس الآن‪ ..‬ليس الآن»‪ ،‬زاد من‬            ‫الأمر الذي وضعنا «أنا وإخوتي» في موقف لا‬
      ‫تشككي أنه يتحدث إلى امرأة ما‪.‬‬
‫شك سرعان ما تحول إلى قناعة أكدتها‬                                                 ‫نحسد عليه‪.‬‬
  ‫زلّة لسانه “قلت ل ِك ليس الآن‪ ..‬ليس‬              ‫كلما حاولت إقناعه بأن يصرف النظر عما‬
‫الآن”‪ .‬وأغلق هاتفه في عصبية أشفقت‬                ‫يص ُّر عليه‪ ،‬كانت إجابته حاضرة‪ :‬إنه لم يكن‬
‫عليه من تبعاتها‪ ،‬فقررت على الفور أن‬               ‫ليفكر بالزواج لولا شعوره بالحاجة لامرأة‬

               ‫أدعمه‪ ،‬وليكن ما يكون‪.‬‬                                           ‫تؤنس وحدته‪.‬‬
    ‫أزعجني أن أراه كطفل يحني رأسه‬              ‫وكأنه يعاقبني على تقاعسي في دعمه‪ ،‬شرع في‬
  ‫خج ًل‪ ،‬ويسقط في نوبة صمت ثقيل‪،‬‬
                                                ‫تنفيذ خطته لإجبارنا على ما نخاف عليه منه‪.‬‬
       ‫منحته فرصة لإعادة توازنه‪ ،‬ثم‬                ‫كنت أعرف أنه يفتقد أمي ويعاني الوحدة‪،‬‬
                       ‫فاجأته مماز ًحا‪:‬‬
                         ‫ـ أهي جميلة؟‬             ‫لكن ليس لدرجة أن يستغل فرصة انشغالنا‬
                                               ‫بشئون حياتنا‪ ،‬ويتص ّرف كما لو كان مراه ًقا‪.‬‬

                                                     ‫وآخر ما كنت أتوقعه أن أضبطه متلب ًسا‪.‬‬
                                                 ‫يمسك بالهاتف‪ ،‬يعبث بأزراره مدفو ًعا بأمل‬

                                                    ‫أن يعثر على امرأة ما تعاني الوحدة مثله‪،‬‬
   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97