Page 80 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 80
العـدد 28 78
أبريل ٢٠٢1
مفاجأة رؤيتنا لهم عندما غادروا الأشجار، ( )5خريطة بشرية..
يقفون على أقدامهم التى تشابه أرجلنا ،ويلوحون
كنا فوق الشجر نعيش ،مرت القرون ونحن ننتقل
بقبضاتهم ،التى تشابه قبضاتنا ،كانت حقيقة من شجرة إلى شجرة ،فالعالم كان غابة متسعة
كاشفة ،جعلتنا نبدأ المعركة..
متشابكة الأغصان ،وافرة الخير من فاكهة ،وديدان،
( )6عيون الآخرين.. وحيوانات وطيور ،كانت تحت يدنا ،لاحظنا أن
زارنا وفد من بلد مجاور لنا ،استرعت بيوتنا الشجر كل واحدة منه لها عمر مثلنا ،يبدأ وينتهى
انتباه أفراد هذا الوفد ،ومع ما كان يسكن عيونهم يو ًما ما ،وكلما انتقصت الغابة شجرة ظهرت
من عدم رضا ،علمنا أن بناءنا لبيوتنا لم يحز على
الأرض أسفلنا ،كانت تدعونا إليها ،ونحن ننظر إلى
إعجابهم!! أديمها بفزع ورفض..
«بيوتكم؟!» ،أسرعنا نقاطعهم« :ما لها بيوتنا؟! إنها
بعد استيعابنا لحتمية الفناء كنا بلا شجر،
تحمل الكامن فينا من جمال». ووجدنا أنفسنا نقف منتصبين على سطح الأرض
لم نحصل على ما يجبر خواطرنا ،كانوا صامتين فى مستخدمين أرجلنا ،هالنا ألا نجد ذيولنا فى مكانها
البداية ،ثم تشاغلوا بالسعال ومحاولة تحريك بلغم
المعهود من أجسادنا ،كنا نبادل الفراغ اللكمات
وهمى يقف فى حناجرهم.. بأيدينا ،ولم نتوقف عن السير..
ذهب الوفد بعد أن ودعناه بما يتطلبه الواجب من
احترام وكياسة ،فى عودتنا واجهتنا بيوتنا ،تأملناها عند نهاية العالم وجدنا غابة ،هللنا صائحين:
«أشجار ..أشجار أيامنا الجميلة ..هيا إليها».
مليًّا ،قلنا« :ما الذى بها ،ولم يعجب زوارنا؟!». عندما اندفعنا نحو أشجار هذه الغابة ،تراجعنا
كان كل شىء حولنا يتغير ،النهار ،الليل ،النجوم مصدومين ،وأصوات صاخبة رافضة تنطلق على
والقمر ،السحاب والمطر ،البحر والنهر ،كنا نذهب سهوة« :ابتعدوا وإلا شرحناكم كما ُتشرح الجثث».
إلى آخر الأفق ،ونتخطاه إلى حيث اللاعودة ،قال رأينا الأشجار تحتل فروعها وأغصانها قرود من
كل أمة ،الغوريلا الضخمة ،والبابون ،والميمون،
قائل منا« :لنهدم هذه البيوت ،لأول مرة أراها والمكاك ،والكابوتشى ،إلى جانب الشمبانزى ،وقرود
قبيحة المنظر!!». العواء ،والسعادين« ،هل هى التى تتكلم؟!».
لم نهتم بهذا كثي ًرا ،لدينا الأهم ،فهى قرود على
هكذا مرت السنوات ،كان كل بناء نقيمه ،لا يعجبنا، أية حال ،تقاربت رؤوسنا« :علينا احتلال هذه
تنهال الاقتراحات وفى النهاية نقوم بهدمه ،كنا الأشجار ،ربما نرجع لسيرتنا الأولى ،كانت أيا ًما
موزعين جماعات وأفرا ًدا ،لم يثن عزمنا ما نراه
جميلة».
من خراب حولنا ،نندفع لنبنى ونهدم ،حتى ارتفع عندما التفتنا قابلتنا عاصفة من الصراخ والتهكم:
صوت« :أعتقد أن هذا النموذج للبناء سوف
يرضينا ،ويرضى أى زائر لنا». «سمعناكم تتحدثون عن ماض جميل.»..
عدنا تتقارب رؤوسنا ،كنا نحاول وضع خطة..
نظرنا نحو ما صنع ،هللنا« :إنه بناء طيب ..إنه بناء سمعنا صرخة تختلط بقول« :أيها المحبطون ارجعوا
جميل».
حيث كنتم.»..
انتظرنا على قلق أن يأتى أى غريب زائر ،لنعرف صرخنا نحن أي ًضا« :أيتها القرود لا تتجاوزون..
رأيه فيما صنعنا..
ألا يكفى أنكم قرود؟!».
كانوا يهبطون الأشجار مسارعين فى الالتفاف
حولنا ،كنا نسمع جملتهم ،وهم يقتربون ،تؤكدها
الأنياب الطويلة ،والمخالب الحادة« :سنشرحكم ،كما
ُتشرح الجثث».