Page 260 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 260

‫العـدد ‪25‬‬                            ‫‪258‬‬

                                         ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬

 ‫بالخوف سياسيًّا وثقافيًّا لإقناع‬           ‫ونصف من الحصار‪ ،‬ضخت‬                    ‫القديس بطرس بالفاتيكان‪،‬‬
   ‫المواطنين بالأفكار التي يريدها‬           ‫القوات الخاصة الروسية غا ًزا‬        ‫ويجسد التمثال السيد المسيح‬
‫النظام‪ ،‬أو ثني المواطنين عن أفكار‬           ‫كيميائيًّا في فتحات التهوية في‬   ‫وهو في حضن أمه بعد إنزاله عن‬
   ‫يمكن أن يدعموها في الظروف‬                 ‫المبنى‪ ،‬ثم اقتحمته‪ ،‬فقتل ‪39‬‬       ‫الصليب‪ ،‬تصور المنحوتة مريم‬
   ‫العادية وتهدد مصلحة النظام‪،‬‬             ‫من المهاجمين على أيدي القوات‬          ‫العذراء وهي تنظر نحو ابنها‬
‫وهذا ما فعلته السلطات السوفتيه‬              ‫الروسية‪ ،‬وما لا يقل عن ‪129‬‬           ‫المضرج بالدماء نظرة صامتة‬
                                          ‫من الرهائن معظمهم مات بفعل‬             ‫شديدة الحزن والأسى‪ ،‬تشد‬
     ‫كثي ًرا ويعبر عنه فيل ٌم ثا ٍن في‬     ‫المادة السامة‪ ،‬وقد أدان الأطباء‬      ‫مريم العذراء انتباهنا إلى ابنها‬
  ‫المهرجان‪ ،‬حيث يستعيد المخرج‪:‬‬                                               ‫المتوفى بواسطة يدها اليسرى‪ ،‬في‬
  ‫أندريه كونشالوفسكي في فيلمه‬                 ‫في موسكو رفض السلطات‬              ‫حين تلتف يدها اليمنى لتعانق‬
                                        ‫الكشف عن هوية الغاز المستخدم‪،‬‬        ‫المسيح برقة‪ ،‬رافعة ساعده قلي ًل‬
    ‫«أعزائي الرفاق» أحداث ثورة‬                                                  ‫مما يجعل يده ممتدة مرتخية‬
‫العمال في مدينة نوفوتشيركاسك‬                ‫مما منعهم من إنقاذ المزيد من‬
‫عام ‪ 1962‬نتيجة ارتفاع الأسعار‪،‬‬          ‫الأرواح‪ .‬وقد ُق ّدر عدد المتوفين في‬                     ‫دون حراك‪.‬‬
 ‫فتتحرك القوات لقمعهم‪ ،‬ويسقط‬                                                   ‫لا ينتهي خوف الأم وشعورها‬
‫عشرات القتلى في اعتصام العمال‪،‬‬            ‫الحادث بأكثر من ‪ 170‬شخ ًصا‪.‬‬          ‫بالذنب‪ ،‬وهو ما يريده المخرج‪،‬‬
 ‫حتى أن المياه لا تستطيع تنظيف‬               ‫هذه الوقائع التي لم يذكرها‬
                                                                                 ‫فهو يريد من كل مسئول أن‬
    ‫أرضية الميدان بسبب التصاق‬              ‫الفيلم‪ ،‬لكنها تحمل إدانة كبيرة‬    ‫يظل متذك ًرا‪ ،‬وأن يظل خائ ًفا مما‬
 ‫الدماء الساخنة بها‪ ،‬فيأمر القادة‬         ‫للسلطات الروسية‪ ،‬تجعل الفيلم‬         ‫حدث أثناء الهجوم الإرهابي في‬

    ‫بإعادة رصف الميدان كي يتم‬                ‫صرخة خوف ضد النسيان‪،‬‬               ‫‪ 23‬أكتوبر ‪ 2002‬على مسرح‬
‫التغطية على ما حدث‪ ،‬ويتم سحب‬               ‫وعدم التحقيق في هذه المعالجة‬          ‫دوبروفكا‪ ،‬حيث اقتحم ‪-40‬‬
                                                                                 ‫‪ 50‬شيشاني مسلح المسرح‪،‬‬
     ‫الجثث ودفنها س ًّرا في مقابر‬                ‫المأسوية لأزمة الرهائن‪.‬‬     ‫محتجزين ‪ 850‬رهينة‪ ،‬ومطالبين‬
    ‫مجهولة‪ ،‬ويوقع كل من شهد‬             ‫ويبدو أن الخوف الذي استخدمته‬
    ‫هذه الوقائع من عمال وأطباء‬          ‫السلطات السوفيتية ضد مواطنيها‬              ‫بانسحاب القوات الروسية‬
                                         ‫قد عاد فنيًّا ليرتد في نحرها‪ ،‬وأن‬       ‫من الشيشان‪ ،‬وإنهاء الحرب‬
      ‫وممرضين على وثيقة تؤكد‬            ‫لدي السوفيت الكثير ليقدمونه في‬         ‫الشيشانية الثانية‪ .‬وبعد يومين‬
‫سرية المعلومات وعدم النطق بأي‬           ‫أفلامهم عن الخوف الذي عاشوه‪،‬‬

    ‫شيء عما حدث‪ .‬في هذا المناخ‬               ‫أو ما يمكن تسميته التلاعب‬
   ‫المضطرب تجد إحدى ناشطات‬
 ‫الحزب الشيوعي نفسها متورطة‬                                                                                      ‫الأب‬
 ‫في الأحداث بسبب اشتراك ابنتها‬

     ‫في الاعتصام‪ ،‬تبحث الأم عن‬
 ‫ابنتها ويسيطر عليها الخوف مما‬

   ‫قد يحدث لها‪ ،‬ويتصاعد لديها‬
 ‫الصراع بين ما تؤمن به من قيم‬
  ‫اشتراكية وكون الدولة على حق‬

   ‫وتعرف دو ًما مصلحة أبنائها‪،‬‬
‫وبين أمومتها وخوفها على ابنتها‪.‬‬

  ‫يستخدم الفيلم اللونين الأبيض‬
     ‫والأسود‪ ،‬وتقنيات التصوير‬
     ‫السينمائي في تلك الفترة كي‬

   ‫يستعيد روحها‪ ،‬فكأننا نشاهد‬
   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265