Page 261 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 261

‫‪259‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫سينما‬

‫الحوف‬                                           ‫نصدق «أنتوني» حين تقوم بدور‬               ‫فيل ًما من أفلام الستينيات‪.‬‬
                                                  ‫ابنته ممثلتان مختلفتان‪ ،‬ونفاجأ‬       ‫إذا كانت الأفلام السابقة تعبر‬
               ‫انتفاضة عنيفة وتتحول إلى‬            ‫معه بين الحين والآخر بوجود‬       ‫عن مخاوف شخصياتها وتجعلنا‬
              ‫حرب طبقية وصراع شرس‬                                                     ‫نتعاطف‪ ،‬ولكن دون أن نتورط‬
           ‫يجعل بل ًدا بأكمله جحي ًما كبي ًرا‪.‬‬       ‫شخصيات قريبة له وتعيش‬              ‫في التجربة‪ ،‬فإن المهرجان لم‬
           ‫وأقسى ما في الفيلم هو الخوف‬             ‫معه وهو لا يعرفها‪ ،‬تبعث هذه‬        ‫تخ ُل عروضه من أفلام الخوف‬
            ‫الذي يزرعه في النفوس من أن‬              ‫المفارقات ‪-‬التي لا نعرف أيها‬      ‫التفاعلي‪ ،‬حيث تحول ما هو على‬
               ‫كل من تستخدمه لحراستك‬               ‫حقيقة وأيها نابع من هلوسات‬            ‫الشاشة في بعض الأفلام إلى‬
           ‫وتأمينك وحمايتك هو من يغدر‬             ‫«أنتوني»‪ -‬على الابتسام أحيا ًنا‪،‬‬     ‫عرض يشارك فيه المشاهدون‬
           ‫بك‪ ،‬ينهبك‪ ،‬يقتلك‪ ..‬الخدم الذين‬       ‫ولكنها ابتسامة الحيرة أمام متاهة‬        ‫ويتقاسمون مخاوفهم مع ما‬
              ‫ينقلبون على أصحاب البيت‪،‬‬           ‫نحن بالفعل داخلها‪ ،‬فكل ما نراه‬
             ‫جنود الجيش الذين يخطفون‬                                                     ‫يرونه من هذه الأفلام‪ :‬فيلم‬
             ‫الأثرياء ويعذبونهم ويطلبون‬              ‫أمامنا في كلتا الحالتين يبدو‬    ‫الافتتاح الأب ‪ the father‬وفيلم‬
              ‫فدية مقابل إطلاق سراحهم‪،‬‬          ‫حقيقيًّا‪ ،‬وهذه هي الخدعة البارعة‬      ‫نظام جديد ‪ ،neworder‬وفيلم‪:‬‬
          ‫العنف المستشري في الشارع بين‬
            ‫الفقراء وتقاتلهم على ما نهبوه‪،‬‬                   ‫التي يحبكها الفيلم‪.‬‬           ‫‪ 50‬أو حوتان يلتقيان على‬
         ‫وحشية في كل مكان‪ ،‬ديناصورات‬            ‫إننا لا نشفق على «أنتوني» ونحن‬                          ‫الشاطيء»‪.‬‬
           ‫تتقاتل في مجاعة‪ ،‬رحلة جهنمية‬
          ‫قاتمة ليس فيها خطأ أو صواب‪،‬‬               ‫نشاهد واقعه يتسرب من بين‬        ‫لا تحتاج مشاهدة هذه الأفلام إلا‬
               ‫عنف ورصاص ودماء تملأ‬                ‫يديه ولا يستطيع القبض عليه‪،‬‬       ‫أن تكون إنسا ًنا‪ ،‬أ ًبا‪ /‬أ ًّما‪ /‬ابنًا‪/‬‬
         ‫الشاشة وتختفي الروح الإنسانية‬                                              ‫ابنة‪ ،‬من طبقة فوق المتوسطة‪ ،‬كي‬
             ‫ليحل محلها الخراب‪ ،‬يصاعد‬                ‫ولكننا نشفق على أنفسنا من‬      ‫تجد نفسك جز ًءا من الأحداث‪ ،‬أو‬
            ‫أسلوب البناء والسرد في الفيلم‬            ‫اللحظة التي سنكون ساعتها‬         ‫من المحتمل أن تكون جز ًءا منها‬
            ‫من توترنا وخوفنا‪ ،‬فينتقل من‬         ‫داخل الكادر مشوشين مضطربين‬
            ‫أجواء حفل زفاف لعائلة ثرية‪..‬‬                                                            ‫وأنت لا تعرف‪.‬‬
         ‫الأناقة والألوان المبهجة المتناسقة‪،‬‬                   ‫بلا سند أو يقين‪.‬‬            ‫يعالج فيلم «الأب» مشكلة‬
                                                ‫وإذا كان الأب يعالج انهيار العالم‬         ‫الزهايمر التي تصيب كبار‬
                                                                                          ‫السن‪ ،‬وقد لا يخلو بيت أو‬
                                                     ‫الذهني فإن الفيلم المكسيكي‬      ‫عائلة من مسن يعاني بدرجة ما‬
                                                        ‫«ترتيب جديد»‪ ،‬للمخرج‪:‬‬          ‫من مشاكل النسيان وتشوش‬
                                                                                          ‫الذاكرة واضطراب الخيال‪.‬‬
                                                     ‫ميشيل فرانكو‪ ،‬يعالج انهيار‬     ‫ويكمن سحر المعالجة التي يقدمها‬
                                                     ‫العالم الاجتماعي والسياسي‬            ‫المخرج الفرنسي «فلوريان‬
                                                     ‫الذي نعيش فيه‪ ،‬حين تحدث‬            ‫زيلر»‪ ،‬استنا ًدا إلى مسرحيته‬
                                                                                      ‫«الأب» التي صدرت عام ‪2012‬‬
                                                                                      ‫مع كاتب السيناريو البريطاني‪:‬‬
                                                                                          ‫«كريستوفر هامبتون»‪ ..‬في‬
                                                                                       ‫أنهما يقدما لنا كل ما يشاهده‬
                                                                                     ‫ويعيشه المسن «أنتوني» في دور‬
                                                                                     ‫يجسده القدير «أنتوني هوبكنز»‬
                                                                                     ‫وكأنه حقيقة‪ ،‬فنعيش مع أنتوني‬
                                                                                     ‫مخاوفه وهو يشاهد ابنته تتبدل‬
                                                                                      ‫وتتغير‪ ،‬ويورطنا المخرج ونحن‬
   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265   266